ص. 2
كلمة
الموسيقى في الشرق ولا سيما في مصر متجهة الى هيكل النور. آخذة في الانتشار. وهي اليوم في دور حيوي جديد بل في حركة كبيرة من حركات الانتقال والتطور. واشتغالنا مدة اربع سنوات في مجلة موسيقية هي الوحيدة في الشرق في اللغة العربية قد اتاح لنا الوقوف على حقيقة الحالة الفنية عندنا وعلى مقدار الاستعداد العام للتقدم بهذا الفن الجميل الخالد الى الامام
والظواهر المتعددة التي بدت في السنين الاخيرة في انحاء كثيرة من الشرق العربي لهي ادلة ساطعة على ان الروح الفنية آخذة في الانتعاش. وان الفكرة الموسيقية قد تهذبت وارتقت. وان الناس جلهم اصبحوا في حاجة إلى تغذية ارواحهم وقلوبهم وعقولهم حاجتهم الى تغذية ابدانهم. وهذا عصر مشرق نسمع فيه طبول البشائر تدق في انحاء الشرق مبشرة بالرقي العام سواء في الحياة المادية أو في الحياة الأدبية المعنوية. بل هذا هو الدليل الساطع على النهوض والتقدم ومبلغ ادراك الحقائق مما يبرهن بساطع البرهان على ان ارتقاء الفنون دليل على ارتقاء الامم
على أننا لا نزال في بدء نهضتنا الموسيقية ونشاطها الفني. والفراغ لا يزال حولنا وسیعاً لا سيما في ما يتعلق بكتبنا ومؤلفاتنا ومطبوعاتنا الفنية الموسيقية ليس فقط من حيث كتب العلم الموسيقي وقواعده بل من حيث تاريخ الفن وادوار اصلاحه ومختلف حالاته. ولما كان شأن الفن لدينا من أهم الشؤون وقفنا له مجهوداتنا واخلاصنا. فقد قضى الواجب علينا ان نبذل في سبيل خدمته النفائس من وقت ومال وان نضع يراعنا الضعيف رهن اشارته وان نقدم له من الكتب والمؤلفات والتعاریب قدر ما يكون في دائرة المستطاع
لذلك نحن نضيف اليوم الى مجهوداتنا السابقة مجهوداً جديداً هو تعريب القسمين العربي والتركي من تلك الدائرة. دائرة المعارف الموسيقية التي تم طبعها في العهد الأخير باللغة الفرنسية. وهذان القسمان يشتملان على الشيء الكثير من تاريخ الموسيقى الشرقية ومن قواعدها وحالاتها في مختلف العصور وتطوراتها وفنياتها وعلمياتها عند العرب والترك
وبالرغم من وقوع بعض الاغلاط الفنية الدقيقة في هذين القسمين. تلك الاغلاط التي قليلا ما تنجو منها مثل هذه المؤلفات العظيمة العالية المرتكزة في ابحاثها واوضاعها على دقائق التاريخ والعلم والفن والقواعد. فقد اشتمل هذان القسمان على مبلغ كبير من الحقائق والمعلومات الجليلة لا غنى لكل طالب لهذا الفن أو عامل فيه عنها.
على أننا لم نقابل تلك الاغلاط بالصمت بل تداولناها بالبحث والمناقشة والتصحيح على قدر ما سمحت لنا به معلوماتنا وابحاثنا
فنحن نقدم اليوم هذا المجهود الى قراء اللغة العربية كما أننا نتقدم الى هيكل الفن المقدس بهذه التضحية الجديدة. ألهمنا الله طريق السداد
أسكندر شلفون
ص. 6، ه. 1: الحقيقة التي لا شك فيها هي عدم كفاءة جميع المستشرقين السابقين الذين بحثوا في الموسيقى العربية أو الشرقية بوجه عام. وسواء فيتيس Fétis أو غيفارت Gevaert أو دانیال Daniel أو دوقودراي Ducoudray أو كيزويتر Kiesewetter أو كوزغارتن Kosegarten وسواهم من العلماء المستشرقين فجميعهم ملأوا مؤلفاتهم الضخمة المزركشة بالاغلاط المدهشة. وقد جاء اليوم المسيو جول روانیت كاتب هذا التاريخ يزيد عدد هذه الطائفة الكبيرة. ولا يجد له متجهاً الا ذلك الذي ينحى به باللوم على اساتذة العرب ورجال الفن الا كفاء منهم بدلا من ان يبحث عن الحقيقة الواضحة في تلك الكتب التي لم يستطع لا هو ولا من سبقوه ان يفهموا الغرض منها. ان عدم امكانهم تفسير ما ورد في هذه المؤلفات وعدم ادراك الغرض منها ليس دليلا على ترترة هؤلاء العلماء كما يزعم حضرة المؤلف في بعض المواضع ولا برهانا على ان كل ما جاء في تلك المؤلفات من نوع المعميات والالغاز بل هي برهان على عدم الكفاءة في البحث. مع ان القواعد الموسيقية التي كانت في عرف أولئك المستشرقين الافاضل الغازاً وعقداً شرحت بكل وضوح ودقة كما اعترف الاستاذ روانيت بنفسه في جملة مواضع من نبذته وسنرى انه قد تناول ترجمتها وشرحها وتفسيرها والتعليق عليها بمقدار من الاسهاب والدقة يفوق ذلك المقدار الذي لم يرضه عند أولئك المؤلفين وكان سبباً في ان ينعتهم بصفة الثرثارين.
كذلك لست أدري ماذا يقصد بقوله : مؤلفات العصرين ؟ ... فاذا كان حقيقة يقصد الموسیقی في هذا العصر فالذنب ذنبه. اذ كان يجب عليه ان يزور الشرق العربي على الاقل كما فعل كثير سواه من المستشرقين (ولا يكتفي بزيارة تونس والجزائر) ويجري المباحث العملية والعلمية التي يتاح له بها ان يقف على ما يغنيه عن تلك المستندات التي اتعبه طلبها والبحث عنها هذا لو فرضنا ان الحالة لا تزال كما كانت قديماً ولم يكن لدينا ألحان ومعزوفات مدونة بالنوته. اما ونحن نستعمل النوته منذ ثلاثين سنة ويزيد فلا عذر له في ما يقول الا اذا كان قد كتب ما كتب قبل هذا العهد. ولا اظن ذلك.... (المعرب)
ص. 8 ، ه. 1: استعمل المؤلف في الاصل الفرنسي كلمة : discoureurs ليعبر بها عن الشراح والكتاب وهذه الكلمة معناها كثيرو الكلام (مكثارون ثرثارون) فكانه يريد ان يحط من شأنهم ونحن لا نسمح له بذلك ومخالفة كل المخالفة لما لهؤلاء الشراح من الفضل والمكانة. كثيراً ما كرر لنا حضرته في ديباجته الاستهلالية كلاماً كثيراً لا اختلاف الا في صيغة منطقة. وكم مرة قال لنا كلاماً كثيراً معناه ان العرب لم يستعملوا اصطلاحاً لتدين الموسيقى وكرره ثم كرره ثم كرره فلماذا اباح لنفسه الاكثار.. واستنكر ما ظنه تکراراً عند هؤلاء الادباء الذين لم يكرروا قولا وما كتبوا الا ما كان لا بد لهم من شرحه من الدقائق الفنية التي ابهمت على المعيته كما ابهمت على ألمعية من سبقه من علماء الافرنج المستشرقين الذين آبوا جميعهم من مباحثهم في كتب العرب بالخيبة والفشل ولم ينقلوا لاقوامهم الا الخطأ والاغلاط وما نجحوا الا بنشر كتب مطرزة الحواشي مصقولة الاوراق فاخرة الغلائف. (المعرب)
ص. 8، ه. 2: هذا قول مخالف للحقيقة. والذي لا شك فيه هو أن بين الجيل الثامن والعصر الحاضر فترات كثيرة طويلة خلت من المؤلفين والمؤلفات
ص. 8-9، ه. 3: لقد عثر حضرة البارون رودولف ديرلانغي (Le Baron Rodolphe d'Erlanger) المستشرق البحاثة المقيم اليوم في بلدة: (سيدي بوسعيد) من بلاد تونس. على كتب عربية قديمة حوت مدونات موسيقية كثيرة وقف منها على قواعد الكتابة بالعلامات الموسيقية التي كانت تستعملها العرب قديماً فدرسها وتعلمها وكتب بها كثيراً من الأغاني التونسية والموشحات العربية. وقد ارسل الينا حضرته موشحة من تلك الموشحات معروفة في تونس من نغمة الاوج عراق ومن ضرب الخفيف هي
يا رفاقي اذا مررتم بنجد * ونزلتم ربوعها والخياما الخ
مدونة بعلامات العرب القديمة مصحوبة بخطاب لنا من حضرة البارون يقول فيه ان الطريقة العربية
(فيما يلي نماذج من (نوتة) العرب القديمة بتفسيرها)... فلو أن المسيو جول رووانیت (Monsieur Jules Rouanet) ذهب في بحثه الى ابعد مما ذهب{١٠} اليه لتسنى له ان يهتدي الى تلك الطريقة التي تبرهن له على ان العرب كانوا يستعملون العلامات الموسيقية ويدونون موسيقاهم. ولكن الفترة الزمنية الطويلة التي خمدت فيها الحركة الفنية في بلاد العرب على اثر تدهور الدول العربية هي التي ذهبت بأكثر الآثار والمستندات المتعلقة بالمدونات الموسيقية العربية.
بلغت الموسيقى في عهد الخلفاء العباسيين منزلة باهرة وشأناً رفيعاً ولا عجب. فمجد الفنون مجد الدول. دالت دولة الخلفاء ودالت معها دولة الفن. وبعد ان كانت الموسيقى مهنة الأدباء وكرام القوم والمتعلمين امثال الموصلي ومبعد وابن محرز وابن سريج وامثالهم اصبحت بين أيدى الجهلة والرعاع وشراذم المتسولين. وقوم من هذه الطبقات لا يُطالبون بواجب ولا يُسألون عن مستندات الفن ولا عن علومه وقواعده ومدوناته. لقد ورثوا تحف الفن في عصره الذهبي. ولكن التحف الفنية في عصر العلم والمجد تكون من بائرات الاشياء والسلع في عصر الجهل والانحطاط. وهذا على ما نظن هو السبب في اندثار المعالم الفنية الكتابية. يضاف الى ذلك الحوادث والانقلابات والنكبات المتعددة التي اجتازها العرب خلال الاجيال فاذا رأينا اليوم أن بعض تلك المؤلفات والمخطوطات التي على كل حال تضمنت جميعها الكفاية من المباحث والشروحات الفنية بالرغم من قلتها قد وصلت اليوم الى أيدينا سليمة مجتازة تلك الاجيال المملوءة بالأهوال وجب أن نعتبر ذلك من حسن الحظ.
وهب أن الحظ لم يسعد صاحب النبذة بالعثور على تلك الكتب التي عثر عليها البارون ديرلانغيه
فهل يا ترى استمر به سوء الحظ فلم يطلع على الكتب الآتية:...
12:
...ألم يطلع حضرته على هذه الطائفة الكبيرة من الكتب أو على أمثالها؟
ان في النبذة التي كتبها في تاريخ الموسيقى العربية ما يدل على انه اطلع على مخطوطات ومؤلفات حوت كثيراً مما حوته تلك المؤلفات المذكورة هنا. واكثر تلك الكتب حوت الاصطلاح العربي القديم لتدوين الموسيقى. والدليل على ذلك أن النغمات العربية جميعها مشروحة في اكثر هذه الكتب بالعلامات الموسيقية العربية. وقد رسمت صفحة عنق العود في بعضها بأقسامها ومراکز دساتينها. وشرحت المسافات والأبعاد والنسب بكل دقة وكتبت العلامات الموسيقية كل علامة في مركز الصوت الخاص بها على ملمس العود (عنق العود) أفلا يبرهن كل ذلك على ان العرب كانوا يستعملون في عصر مجدهم الفني طريقة لتدوين الموسيقى. وهل ما شرحه حضرته في الصحائف. ۲۷١٦ و٢٧٣٣ و۲۷۳٤ و۲۷۳٦ و۲۷۳۹ مما نقله بالحرف الواحد عن بعض تلك الكتب لا يكفي برهاناً على ان العرب كانوا يستعملون اصطلاحاً موسيقياً؟ وتلك الطريقة العربية التي يستعملها اليوم البارون ديرلانغيه واساسها الحروف الابجدية التي استعملها العرب الا تكفيه دليلا على ذلك بل ألا يكفيه دليل بين الادلة تلك المعزوفات الموسيقية من تأليف الفارابي دونها الترك بالعلامات الموسيقية الافرنجية العصرية فهي لا شك نقلا عن نسخ اصلية كتبت قديماً بالاصطلاح العربي الذي كان مستعملا في عهد الفارابي نفسه؟ واذا كانت حوادث السوء قد اتلفت جل تلك التحف الموسيقية القديمة وحرمتنا منها أفلا یکفي القليل الباقي لاقناع المسيو روانيت على ان ما يقوله في مواضع كثيرة من نبذته ليس فيه من الحقيقة شيء طالما ان هذا القليل قد حوى على اجلى الاثار واوضحها؟؟؟
نعم ان کتب العرب الفنية لم تكن مشفوعة بنصوص موسيقية كما يقول الكاتب ولكن لو لم یکن حضرته متحاملا على الفن العربي بل لو كان منزهاً عن الغرض كما يجب ان يكون كل من ينتدب للكتابه في مثل دوائر المعارف التي لا قيمة لها الا بالحقائق. لفطن الى الغاية من تلك الكتب وادرك ان غرض مؤلفيها منها انما كان ان يجعلوها كتباً للقواعد لا مجموعات الحان ومعزوفات. وهي من هذا النحو. لا فرق` بينها وبين كتب القواعد عند الغربيين في هذا العصر. بل لكانت تفوقها دقة واتقاناً لو لم يندثر الفن العربي القديم ويحل محله فن عربي حديث أخذت قواعده وفنياته وعلمیاته من منتجعات مختلفة. فتلك الكتب المعروفة باسم میتود (méthodes) لاشيء فيها من انواع الاغاني والالحان وكل ما حوته كمية وافرة من تمرينات مختلفة. وكذلك کتب العرب القديمة فلا يكاد يخلو واحد منها من امثال تلك التمرينات مدونة بالعلامات العربية القديمة. فماذا تراه يريد المسيو روانيت إذن؟؟
13: ه. 2
لم يأت دميتريوس دي قنتمير بشيء من عنده ولم يخترع للاتراك اختراعاً جديداً ولم يطبق على الحروف العربية اية طريقة هندية كما يزعم المسيو روانيت. فالحروف الابجدية التي استعملها كعلامات موسيقية قلد بها الحروف الابجدية التي استعملها العرب قروناً من قبله بلا فرق غیر اختلاف في اشكالها لا يؤثر في جوهر الطريقة ويظهر ان الاستاذ روانیت اخطأ خطأ العلامة فيلوتو (M. Villoteau) في القسم الخاص بالموسيقى في كتاب وصف مصر حيث قال في الجزء الرابع عشر صحيفة ۳۹ ...
:14
هذا ما قاله العلامة المستشرق فيلوتو. وهذا ربما نقله عنه كما نرجح الاستاذ روانیت. وسواء الاول او الثاني فكلاهما على غير حق. كلاهما ينكر على العرب حقهم. كلاهما لم ينصف التاريخ ولم يدقق في البحث ولم يرع حق الامانة في استقراء الاخبار. کلاهما خل بواجب المؤلف ومهر الادب والتاريخ بأخبار ومزاعم لا صحة لها على الاطلاق
دیمتریوس دي قنتمير هو من سلالة عائلة نترية نبيلة كريمة. ولد سنة ۱٦۷۳ وكان ابوه حاكما علی مراکز مولدافيا الثلاثة. ارسل الاب ابنه دميتريوس إلى الاستانة بغية تعليمه فأقام الابن هناك عشرين سنة تقريباً. حيث انصرف خلالها الى درس اللغة التركية والموسيقى فنجح ومهر بهما في زمن قريب. فالعلامة فيلوتو يزعم آن دمتريوس اخرج اختراعه الفني خلال هذه المدة. ونحن لا ندري من أین جاء لنا وللتاريخ بهذا الخبر الذي لا يتفق مع الحقيقة بوجه من الوجوه. على اننا اذا امكن لنا ان نلتمس عذراً للعلامة فيلوتو ومهمته كانت محدودة في تأريخ ما يتعلق بالموسيقى في مصر فقط فلسنا ندري كيف نستطيع ان نلتمس عذراً للاستاذ روانیت ومهمته كتابة الأنسيكلوبيديا وقاموس معهد باريس الموسيقي وواجبه ان يتحرى الحقائق ويتناول الاخبار من اوثق مصادرها.
كيف يستطيع حضرة الاستاذ ان يؤكد لنا ما هو يزعم انه من ابتكار دميتريوس وما هذا الابتكار سوى تقليد ما ورد في مؤلفات العرب الموسيقية قبل دميتريوس دي قنتمير بمئات من السنين؟
والذي يوجب دهشتنا بالأكثر ان الكتب والمؤلفات العربية القديمة التي اعتمد عليها الأستاذ روانيت في تحرير القسم الذي عهد اليه فيه من دائرة المعارف الموسيقية والتي ذكرها في مكان من مبحثه سيأتي دوره في الشرح حوى اكثرها مثل تلك العلامات الموسيقية الممثلة بالحروف الأبجدية التي ينسب اختراعها الاول خطأ الى دميتريوس. وجميع هؤلاء المؤلفين سابقين لدميتريوس دي قنتمير. فلما هذه المراوغة؟ لسنا ندري (المعرب)
ص. 14-16, ه. 1:
كلما كرر الاستاذ روانیت موشحته التي معناها ان العرب لم يعرفوا ولم يستعملوا علامات موسيقية كلما اضطررنا إلى أن نكرر نحن ايضا قولنا انه كان للعرب علامات موسيقية وان نبرهن على ما نقول بالادلة والبينات وفي هذه المرة نأخذ هذه الادلة وتلك البينات مما أورده الاستاذ روانیت بيراعه الخاص . ففي الصحيفة ۲۶۸۰ من دائرة المعارف الموسيقية في تلك الصحيفة التي اختصها الاستاذ باسماء مؤلفي الفرس والعرب والترك الذين كتبوا في الموسيقى منذ القرن الثاني للهجرة حتى القرن الثاني عشر منها ذکر حضرته بين اسماء المؤلفين الذين عاشوا في القرن السابع للهجرة اسم صفي الدين عبد المؤمن البغدادي وذكر مؤلفاته الموسيقية وهي: الشرفية وكتاب الأدوار و کتاب النسب الموسيقية فنقول:
لقد ورد في نهاية الشرفية قطعة تمرينية موسيقية مدونة بالعلامات الموسيقية العربية فهل لم يطلع عليها الاستاذ روانیت ؟ واذا كان قد اطلع عليها فلماذا أنكرها ولم يذكر عنها حرفاً واحداً في بحثه الانسكلوبيدي ؟
كذلك ذكر حضرته للقرن التاسع للهجرة اسم عبد القادر بن غيني ( وقوله غيني خطأ صحته غيبي) وذكر مؤلفاته الموسيقية الثلاثة: مقاصد الالحان وجامع الالحان وکنز الالحان . على انه ذكرها محرفة فكتب مقاصد الالحام وجامع الالحام وکنز الالحام هكذا : Mekacid el elham, Djami el elham, Kinz al elham وقد يظن القاريء الذي لا يعرف هذه الكتب انه يريد مقاصد الالهام وجامع الالهام وکنز الالهام. ففي الكتاب الأول المسمى مقاصد الالحان وردت الابيات الآتية مدونة بالعلامات الموسيقية العربية:
قد لسعت حية الهوى كبدي * فلا طبيب لها ولا راقي
الا الحبيب الذي شغفت به * فعنده رقيتي وترياقي
وفي الكتاب الثالث المسمی کنز الالحان جمع عبد القادر جميع الحانه مدونة بالعلامات الموسيقية.
اما اللحن الوارد في الكتاب الاول فقد طواه حضرة الاستاذ رواینت تحت جناح الصمت فكانه لم يره.
اما الكتاب الثالث والاستاذ يذكره و يمهره بقوله ان معاصري عبد القادر يدعون انه يشتمل على الحان مدونة بالعلامات الموسيقية.
فهل يسمح لنا الاستاذ رواينت أن نسأله عن الغاية من هذا القول الذي يقصد به النفي؟ وهل هو قول مبني على حسن النية أم على سوء القصد؟ ثم لماذا هو لا يريد أن يصدق قول معاصري عبد القادر ولماذا تراه يظنهم يدعون؟ هل لان الكتاب المذكور مفقود أباح لنفسه ان ينكر على العرب استعمال العلامات الموسيقية واستسهل أن يزعم ان معاصري عبد القادر يزعمون ويدعون؟
ان في حوزتنا کتب خطية قديمة سلمها لنا الآباء والاجداد لا يملكها سوانا ولا أثر لها في مكان آخر. كما ان لدى الاستاذ رؤوف يكتا بك كثير من المخطوطات القديمة التي ابتاعها بكل غال و نفيس لا يوجد منها نسخة أخرى غير التي في حوزته . أفلا يجوز أن يكون ذلك الكتاب المسمی کنز الالحان في حوزة بعض الناس ممن لا يهمهم امر الموسيقى ولا يهمهم شأن اظهار الكتاب . أفلا يجوز ان يعثر العلماء والباحثون يوماً من الايام على هذا الكتاب كما هم يعثرون في كل يوم على التحف القديمة والاثار ؟ ثم اذا صح ان الكتاب المذكور أصبح في عالم العدم فما هي مصلحة معاصري مؤلف الكتاب في ما يدعون ويزعمون كما يتهمهم الاستاذ رواینت؟ هل ظنهم منجمین تکهنوا بان الاستاذ سيأتي بعد أجيال و ينقض على العرب بجارحات اللوم لجهلهم علم العلامات الموسيقية فلفقوا تلك الرواية الكاذبة في سبيل الدفاع عن كرامة الموسيقى و کرامات العرب؟
ليسمح لنا الاستاذ رواینت ان نؤكد له ان العرب استعملوا طريقة كتابية للموسيقى وانه اذا لم يكن بين المخطوطات والاَثار مواد کافية و مصنوعات وافرة تبرهن على وجود العلامات الموسيقية عند العرب فذلك لان رجال الفن كانوا قليلين ولان اكثرهم كانوا اميين كما كان الحال عند الغربیين في العصور المتوسطة ولان الموسيقى كانت غير منتشرة ومتداولة عند الافراد في الامم الشرقية ولان المتعلمين المقتدرين من الموسيقيين كانوا يحرصون على فنهم ويحفظونه لانفسهم ولا يدونونه الا لانفسهم خشية المزاحمة والسرقة ومحافظة على مكانتهم الفنية بين الناس عامة
وعند الامراء والعظماء خاصة وغير ذلك من الاسباب الاجتماعية والتقليدية. واذا كانت المخطوطات القديمة خلت من الالحان المدونة فلم يرد في بعضها الا الشيء القليل الذي لا يروي ظمأ فلان هذه المخطوطات لیست ( فونوغرافات) كما يقول رؤوف یکتا بك بل هي كتب قواعد وعلوم وأصول ولا نظن أن مثل هذه الكتب عند الافرنج يحوي أكثر مما هي حوت
ص. 27, ه. 1:
لقد كان في الإمكان ان نرد على كل من هذه الاقوال فنثبت بالدليل القاطع والبرهان الساطع ان الاجزاء الصوتية الصغيرة في لغتها الفتانه الشرقيه هي سر جمال الموسيقى ومنبع قوتها ومنهل حيويتها وان الميزان للموسیقی کالروح للجسد. وان الموسيقى بغير الميزان کالصم البارد لا روح فيه ولا حياة. ولكننا امسكنا عن ذلك لان غرضنا الوحيد هنا هو تصحيح الاغلاط الفنية والعلميه كما سبق لنا القول. على اننا لا نملك النفس في كلمة :
لا شك ان آلهة الموسيقى حاقدة على الافرنج ناقمة على حاستهم السمعية. لذلك قد أغلقت على اذهانهم فلم يفهموا حتى اليوم اسرار الجمال الموسيقي وكلما ظنوا أنهم قد اقتربوا من هيكل الجمال كلما كانوا بالعکس مبتعدين عنه وكلما خيل اليهم انهم قد اهتدوا الى آية من آيات الطرب كلما كان بالعكس ضلالهم في ازدياد. وسانتهز اقرب الفرص لاقوم بما يوحيه الي اخلاصي وتوجبه علي مهمتي نحو الفن فاحلل لهم موسيقاهم وموسيقانا وابرهن لهم ان كل مخلوق حرمته السماء من موهبة ادراك كنه جمال الموسيقى الشرقية فقد حرم لذة حاسة من حواسه الخمس طول الحياة. وكي اخفف على اصحاب الموسيقى الافرنجيه ملل الانتظار اسوق اليهم كلمة: ليس الاعجاب والدهشه امام المهارة البهلوانية والنبوغ الصناعي في الموسيقى الافرنجية كالرقة الطبيعية والعذوبة العاطفية والارتجافة الروحية والوثبة القلبية والحركة الشعاعية في الموسيقى الشرقية. أن الفرق بين الحالتين كبير ومهما تكن مهارة الصناعة ونبوغ الرشاقة فالعاطفة الطبيعية والجمال الطبيعي واللغة الطبيعية والروح الطبيعية لا يفوقها شيء في الوجود (المعرب).
Most searched Authors
Most read articles
- التراث الثقافي بالجزائر : المنظومة القانونية وآليات الحماية
- التّراث الشّعبي والتّنمية المستدامة. قراءة في الرّقصات الشّعبيّة
- Les Turcs dans la poésie populaire Melhoun en Algérie. Emprunts et représentations
- Eléments d’histoire sociale de la chanson populaire en Algérie. Textes et contextes
- Mot du directeur du CRASC