ملخّص
حفظت اللغة العربية الفصيحة نطقا ولفظا ومعان، بحيث ربطت العربي من الشرق إلى الغرب ارتباطا لغويا وثيقا، إلا أن الصوت اللغوي الثقافي لنطق الحروف العربية لدى جميع العرب متغيرة، فلكل بلد من هذه البلاد بحيث تشكل هوية الإنسان المرتبط بمكانه. وبما أن اللهجة الفلسطينية إحدى لهجات بلاد الشام إلا أن لها خصوصية تختلف عن اللهجات الشامية الأخرى. ولا بد أن أنوه بأهمية حاسة السمع في إدراك الصوت اللغوي وطريقة نطقه وأن تعلّم اللهجات العامية تكون بالمشافهة، إلا أن هناك بعض التفاصيل الواضحة التي يمكن رصدها بالبحث العلمي لتوضيح جمالية اللهجات عامة.
اللهجة الفلسطينية هي أولى الشواهد على التراث الثقافي المتأصل والحي والمستدام بين أفراد حملة التراث الأصليين وهم أهل فلسطين. علما أن اللهجة الفلسطينية ذاتها مختلفة بين أهل المدن والقرى والبادية، فموسيقى نطق الحروف ونبرها المسموع يعرّف بهوية المتحدث.
في هذه الدراسة سمات اللهجة الفلسطينية التي تجذرت في المكان على لسان الفلسطينيين. التي تُعدّ أوّل ملامح الهوية الفلسطينية الوطنية.
الكلمات المفاحية : اللهجة الفلسطينية، التراث، الثقافة، الصوت اللغوي، الهوية.
Abstract
The classical Arabic language has preserved pronunciations, vocabulary, and meanings, such that it has closely linked the Arabs from East to West linguistically. However, the cultural linguistic sound of the pronunciation of the Arabic letters among all Arabs is variable, for each of these countries has such a way that it forms the identity of the person linked to his place, and since the Palestinian dialect is one of the dialects of the Levant, but it has a specificity that differs from other Levantine dialects, even if they are similar. I must point out the importance of the sense of hearing in perceiving linguistic sound and the way it is pronounced, and that learning colloquial dialects is by word of mouth. However, there are some clear details that can be monitored by scientific research to clarify the aesthetics of dialects in general.
The Palestinian dialect is the first evidence of the deep-rooted, living and sustainable cultural heritage among the original heritage bearers, the people of Palestine. Note that the Palestinian dialect itself is different between the people of cities, villages and the desert, so the music of the pronunciation of letters and their audible tone determines the identity of the speaker.
In this study, the features of the Palestinian dialect that took root in the place on the tongue of the Palestinians are examined. Which is the first feature of Palestinian national identity.
Keywords: Palestinian Dialect, Heritage, Culture, Linguistic Voice, Identity.
Résumé
La langue arabe classique a conservé ses prononciations, son vocabulaire et ses significations, de sorte qu'elle a étroitement lié les Arabes, linguistiquement, de l'Est à l'Ouest. Cependant, le son linguistique culturel de la prononciation des lettres arabes chez tous les Arabes est variable, car chacun de ces pays a une manière telle qu'il forme l'identité de la personne liée à son lieu, et même si le dialecte palestinien est l'un des dialectes du Levant, il a par contre une spécificité qui diffère des autres dialectes levantins, même s'ils sont similaires. Je dois souligner l'importance du sens de l'ouïe dans la perception du son linguistique et la façon dont il est prononcé, et que l'apprentissage des dialectes familiers se fait de bouche à oreille. Cependant, certains détails clairs peuvent être identifiés par la recherche scientifique pour clarifier l'esthétique des dialectes en général.
Le dialecte palestinien est la première preuve d’un héritage culturel profondément enraciné, vivant et durable parmi les premiers détenteurs du patrimoine, le peuple palestinien. Notez que le dialecte palestinien lui-même est différent entre les habitants des villes, des villages et du désert, de sorte que la musique de la prononciation des lettres ou l’intonation, et leur ton audible déterminent l'identité du locuteur. Dans cette étude, les caractéristiques du dialecte palestinien qui ont pris racine dans la langue sont examinées. C’est cette langue qui reste la première caractéristique de l’identité nationale palestinienne.
Mots-clés:Dialecte palestinien, Patrimoine, Culture, Voix linguistique, Identité.
مقدمة
فلسطين التاريخية، في المنطقة الممتدة من النهر الي البحر، والنهر هو نهر الأردن الضفة الغربية الي البحر الأبيض المتوسط، وعلى طول الساحل للبحر الأبيض المتوسط من راس الناقورة شمالا حتى أم الرشراش ورفح جنوبا، يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشرق سورية والأردن، ومن الشمال لبنان ومن الجنوب مصر والعقبة.
يعد الفلسطينيون تراثهم الشفاهي أحد الشواهد الرئيسية على هويتهم الوطنية المتجذرة في فلسطين، التي هي إحدى مناطق بلاد الشام. بعد عام 1948آلت المنطقة الشامية إلى ما هي عليه الآن من دول مستقلة ذات سيادة على حدودها، فإن فلسطين التي يفصلها عن الأردن نهر الأردن حيث تمتد أراضيها الزراعية غرب النهر حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط. ومن مدنها التاريخية: حيفا، ويافا، وعكا، وعسقلان، وغزة، وبيت لحم، والخليل، والقدس، ونابلس، وجنين، وطولكرم، وأريحا، والسبع.
لست بصدد تعداد المدن والقرى الفلسطينية الآن، إلا أن هذا البحث يشمل هذه المناطق التي عرفت بلهجتها الفلسطينية التي ما زال الفلسطينيون يتحدثون بها، وهي اللهجة التي تؤدى فيها الدراما الفلسطينية مثل مسلسل التغريبة الفلسطينية للمخرج حاتم علي، وكثير من الأغاني الحديثة التي تُغنَّى باللهجة الفلسطينية القح. وأخيرا الترويدة التي غنتها أصالة نصري " أصحاب الأرض" التي غنتها باللهجة الفلسطينية، وأهدتها للشعب الفلسطيني كما تم الإعلان عنها حين تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي.
ظلّت فلسطين تحافظ على لهجتها رغم الاحتلال والهجمات الثقافية التي عانت منها عقودا حتى الآن، وما زال الفلسطينيون يفتخرون بلهجتهم. فلم تَغزُها لغة أخرى تُفقِدها هويتها برغم دخول بعض المفردات من لغات أخرى إليها بطريقة طبيعية نعدها من التأثر الثقافي بين الحضارات، وحري القول إن اللغة العربية هي الأساس للهجة الفلسطينية التي هي إحدى لهجات بلاد الشام مع الاختلاف الذي يميزها عن لهجات بيروت ودمشق وعمان، وتأثر سكان غزة باللهجة المصرية وخفتها، إلا أن اللهجة الفلسطينية حافظت على خصوصيتها.
حينما نتحدث عن التراث الفلسطيني، فالأجدر أن نضع أهم ثلاث ركائز لهذا التراث: اللهجة الفلسطينية، والمطبخ الفلسطيني، والفلكور الفلسطيني ومن ضمنه اللباس الفلسطيني.
أورد الدكتور شريف كناعنة في كتابه "التراث والهوية" (كناعنة، 2011) كيف تبلورت الهوية الفلسطينية، مع أن الفلسطينيين، ابتداءً من العشرينيات حتى نهاية حرب 1948، ـ ويمكن أن نقول ـ حتى نهاية حرب 1967، اشتركوا في تاريخ وتجارب كانت تجمع بينهم وتميزهم عن غيرهم من أبناء الشعب العربي، إلا أنهم كانوا يدركون هذه التجارب بوعي وهوية عربية أكثر مما هي فلسطينية، لأنهم كانوا يرون أنفسهم كعرب يدافعون عن قطعة أو مساحة من العالم العربي اسمها فلسطين. حتى نهاية حرب 1967كان هناك صراع عربي – يهودي، ولم يكن صراعاً فلسطينياً – إسرائيلياً. طيلة هذه المدة كانت هناك تجارب وتاريخ على المستوى الفلسطيني دون أن تكون هناك هوية فلسطينية واضحة ومقبولة. والحقيقة أن الهوية الفلسطينية تبلورت بشكل خاص أثناء حرب 1948وأثناء تجربة الشتات وما حل بالفلسطينيين من المصائب والمآسي بعد ذلك مباشرة. وتبلورت الهوية الفلسطينية بشكل واضح فقط في أوائل السبعينيات، ونتيجة لذلك بدأ الفلسطينيون يتولون قضيتهم ويأخذون زمام أمورهم بأيديهم، وأصبح هناك طرف فلسطيني في القضية الفلسطينية، وأصبح الفلسطينيون يمرون بتجارب يعون بأنهم يقومون بها كفلسطينيين. ولكن في هذه المرحلة بالذات، وهي المرحلة التي تبلورت فيها الهوية الفلسطينية، كان الفلسطينيون في الداخل قد انسلخوا وانقطعوا عن باقي المجتمع الفلسطيني، ولم يشتركوا مع باقي الفلسطينيين في تجربة الرحيل واللجوء، ومواجهة العالم العربي كفلسطينيين مقابل اللبنانيين أو السوريين أو الأردنيين أو وحدات وهويات عربية أخرى، بل استمروا في تجاربهم كعرب مقابل يهود وليس كفلسطينيين مقابل إسرائيليين أو كفلسطينيين مقابل أبناء الدول العربية الأخرى. مع أن اتصال فلسطينيي 1948مع فئات أخرى من الفلسطينيين عادت نوعاً ما بعد حرب 1967إلا أنهم لم يبدؤوا باكتشاف هويتهم كفلسطينيين إلا في النصف الثاني من عقد السبعينيات وبعد يوم الأرض بالذات سنة 1976.
مجال البحث
هذه الدراسة بُنِيتْ على أساس الاستقراء والمقابلات. كانت التجربة التي على أساسها تم حصر طريقة النطق الشعبي وأصوات الحروف في اللهجة الشعبية، هو مشروع قامت به وزارة الثقافة بجمع الحكايات الشعبية من مناطق فلسطين كافة، وكنت أعمل على تصنيف هذه الحكايات بطلب من الوزيرة السابقة لوزارة الثقافة السيدة سهام البرغوثي، فمن خلال سماع نطق صوت الحرف في حكي الحكايات لحملة التراث، فنّدنا الصوت الشعبي الفلسطيني، ومقارنته مع اللهجات العربية القديمة، والأصوات اللغوية العربية وجدنا أن هناك تحولا في النطق وتداخلا في اللهجات وابتعادا عن القواعد الإعرابية أدت إلى ما آلت إليه اللهجة الشعبية الفلسطينية، وطريقة نطق حروفهم مع الصوت الذي ينتج عند النطق وموسيقاه.
سمات عامة لصوت الحرف في الحكي الشعبي
نطق الحرف في اللهجة الشعبية الفلسطينية له فرادته وتميزه عن سائر اللهجات الشامية الأخرى، واللهجة المصرية عند أهل غزة. وهو يتبع قاعدة معينه لكنه يقارب ما ورد في كتب الصوتيات للغة العربية، وتنقسم اللهجة الفلسطينية إلى ثلاث فئات وهي:
-
اللهجة المدنية: وهي لهجة أهل المدن من القدس ونابلس والخليل ويافا. كل لهجة من هذه اللهجات ذات سمات خاصة وصوت خاص بها أما المشترك بينهم فهم ينطقون القاف همزة.
-
اللهجة الفلاحية: هي اللهجة التي يتحدث بها أهل القرى في فلسطين، علما أن هناك اختلافا بين صوت الحروف بين القرى الشمالية والقرى الجنوبية واهل غزة وهذا ما سيتم الإشارة إليه في هذا المقال. علما ان اللهجة الفلاحية هي اللهجة التي أصبحت من هوية الإنسان الفلسطيني.
-
اللهجة البدوية: هي اللهجة التي يتحدث بها البدو من عرب السواحرة، وعرب السبع، وعرب النقب.
كانت اللهجات في السابق لهجات نقية، بمعنى أنه لا خلط بين لهجة وأخرى في فلسطين، فكان يُعرف المتحدث من لهجته إلى أي القرى ينتسب ذلك لأن الزواج كان من المكان نفسه. فالأولاد يتربّون في بيئة أمهم وأبيهم ذاتها، أما في الوقت الحاضر فقد تداخلت اللهجات بعد انتشار الزواج من بيئات مختلفة، تداخلت اللهجات الفلسطينية، وتهجّنت اللكنة لكنها لا تخرج عن إيقاعها الفلسطيني. فالأولاد يتحدثون بلهجة الأب ولهجة الأم في الوقت ذاته. فإذا كانت الأم من مدينة الخليل والأب من قرى رام الله مثلا ستجد الأبناء يتحدثون بهذا المزيج الجميل من اللهجة الفلسطينية التي تجمع بين لهجة المدينة ولهجة القرية، وما ساهم أيضا بهذا التهجين الصوتي للهجة الشعبية انتشار الجامعات في فلسطين، والإقامة في مكان مختلف أثناء دراسة الأبناء. هذا ما ساهم في تمازج اللهجة الفلسطينية بشكل جميل مع البقاء على أصالة اللكنة والنغمة الصوتية للكلام.
أما عن أبرز السمات للهجة الشعبية الفلسطينية
1ـ تسكين الحروف: يميل الصوت الشعبي لنطق الحرف ساكنا في أغلب الأوقات، ويظهر التسكين في عدة مواقع في الكلمة، وله صلة مباشرة باللهجة الشعبية وليس بقواعد الصرف والإعراب.
أـ تسكين الحرف الأخير من الكلمة:اللهجة الشعبية تسَكّن الحرف الأخير، ولا تعترف بحركة الإعراب غالبا، لذلك يكثر الإدغام بين الحروف لتسهيل النطق بين كلمتين منفصلتين. نقول مثلا بالفصحى: قالَ لَهُ بنطق حركة اللام في قالَ، أما في اللهجة الشعبية فنسمعها: قلّو (لاحظ إدغام لام قالْ مع لام لُه)، أما هاء الغائب التي تحولت إلى واو فسنشرحها لاحقا. ومن الممكن أن تسمع كلِمتي قال + له في اللهجة الشعبية على عدة أوجه: ألّو" في المدينة". كلّو، جلّو (بالجيم المصرية). قلّو بالقاف العربية.
مثل هذا الإدغام كثير في اللغة الشعبية مثل: أجيبلو: أجيبْ لُه. أعْمِلّكْ: أعملْ لَك وهو واضح مع دمج الضمائر المتصلة مع الفعل الذي يسبقها.
ب ـ تسكين الحرف الأول من الكلمة : هذا التسكين صعب للغاية في النطق، لذلك نسمع صوت حرف همزة يسبق نطق الحرف الأول المُسَكّن لتسهيل النطق مثل:
-
تَسَهَل: تْسَهل، وتسمع هكذا اتْسهل. هذا في الأفعال.
-
حُديدون: حْديدون وتسمع احديدون. هذا في الأسماء ويسمع أثناء الكلام.
2ـ إشباع الحركة:إشباع الحركة يظهر في الحكي الشعبي بكثرة، والإشباع هنا يعني نطق الحرف مع إشباع حركته بمقدار حرف كامل على سبيل الكتابة العروضية. يكثر في اللهجة الشعبية إشباع الضمة لتصير واوا، فمثلا حركة هاء الغائب تصير واوا مع إسقاط الهاء من النطق في الصوت الشعبي؛ أما حركة الكسرة في كاف المخاطبة فتصير ياء مع إثبات الكاف في النطق مثل:
-
قال لهُ: قلو. ومثلها عمرُهُ: عمرُو (الواو هنا حركة هاء الغائب).
-
عليكِ: عليكي (الياء هنا إشباع حركة كاف المخاطبة).
3ـ نطق حرف بصوت حرف آخر: يظهر في اللهجة الشعبية الفلسطينية بكثرة نطق حرف بصوت حرف آخر، هذا يعطي صبغة شعبية مميِّزة لأهل المكان في المدن والقرى.
أولا:حرف القاف هو أكثر الحروف إشكالية في الصوت الشعبي، فهو ينطق على عدة أصوات منها:
-
تنطق القاف همزة، في المدن وهذا في القدس والخليل ونابلس وحيفا. مثلا: قال وقلت تنطق أل وألت. وقدس: أدس، وطريق قريب تنطق طريئ أريب.
ولو جعلنا المثل الشعبي الفلسطيني:
" قلبي على ابني وقلب ابني ع حجر" معيارا لتوضيح الفرق بين اللهجات الفلسطينية وكيفية نطق القاف في اللهجة الفلسطينية المتنوعة. فان أهل المدن يقولونه هكذا:
" ألبي ع ابني والب ابني ع حجر "
-
تنطق القاف كافا في قرى القدس وقرى طولكرم وجنين وقلقيلية والمجدل وقرى يافا ونابلس ورام الله فيقال قلقيلية: كلكيلية. قرات القران: كريت الكران.
حسب المثل المعياري لنطق القاف فيسمع هكذا"
" كلبي ع ابني وكلب ابني ع حجر.
-
ـ تنطق القاف بصوت جيم مصرية gفي قرى الخليل وبعض قرى يافا، وغزة، ودير البلح، ورفح. وحسب المثل المعياري يسمع هكذا:
"gلبي ع ابني وgلب ابني ع حجر"
-
قاف: تنطق القاف بصوت القاف العربية الفصيحة في بعض قرى جنين وقرى صفد، وطبريا وقد سمعت هذا النطق من عدة نساء، وهو يشبه بعض قرى دمشق، وهو موجود في قرى جنين. وحسب المثل المعياري يسمع هكذا:
"قلبي ع ابني وقلب ابني ع حجر"
-
غين: تنطق القاف بصوت الغين وهو موجود لكن أقل من غيره مثلا أقل تنطق: اغل. في البوادي وعرب السبع. حسب المثل المعياري يسمع هكذا.
"غلبي ع ابني وغلب ابني ع حجر"
بالنسبة لي سمعت جميع الأصوات لهذا لمثل الدراج ما عدا صوت اللهجة البدوية. لكنني سمعت عنه.
ثانيا الكاف:تنطق الكاف بصوت الـ ch (تشاف) في كثير من المناطق قضاء القدس الطور والعيسوية، وأبو ديس والسواحرة وجبل المكبر وبيت حنينا وقرى المثلث وكفر قاسم.
مثل كيف حالك: تشيف حالتش، وسكر تصبح ستشر. وهو ما يسمى بالتشتشة. والتشتشة هي ظاهرة صوتية حديثة وهي قلب الكاف الى تش ويتحدث بهذا الصوت أهل فلسطين وقليل من بلاد الشام.
ومن النوادر التي تخص اللهجة الفلسطينية الفلاحية حينما تجتمع جملة فيها قاف وكاف فقد وصفت لي امرأة أحد شيوخ القرية بأنه " قلبه كبير لكن كلبه حقير" وتقصد بذلك انه هو طيب القلب لكن حارسه " كلبه" سيء. قالتها باللهجة التالية: أبو فلان كلبه كبير بس تشلبه حكير. بصراحة استعنت بصديق لفهم القصد. ودونتها خشية أن أنساها.
ثالثا الثاء : تنطق الثاء بصوت (تاء) مثل ثوب: توب، كثير: كتير اثنين: اتنين، حديث: حديت، وقد تنطق (سين)، مثل حديس.
رابعا الذال:الذال تنطق بصوت ظاء مثل: هذا: هاظا مع ملاحظة وجود حرف مدّ قبل الظاء وبعدها. وهذا ميل إلى التضخيم الصوتي هو يشبه لهجات الأردن.الذال تنطق بصوت دال مثل: نذرت النذر: ندرت الندرـ أخذ: أخد ـ ذهب: دهب. وقد تنطق (زين) مثل) عذاب) / عزاب.
4ـ استبدال حرف بحرف آخر:هناك كلمات يستبدل أحد حروفها بحرف آخر، هذا الاستبدال خاص ومحدّد بمعنى إنه ليس سائدا في جميع الكلمات مثل:
-
شجرة: تنطق أحيانا سجرة. الماظة تنطق المازة. غسيل، خسيل. مع ملاحظة إنه ليس كل سين تنطق شين وإنما بالتحديد في كلمة شجرة/ سجرة.
-
هناك كلمات محدّدة تستبدل حروفها بحرف آخر، هذه الكلمات بشكل جزئي في بعض الكلمات وربما يكون بقد تسهيل النطق.
-
ظل: ضل في العامية، وضلّ في الفصحى لها معنى الضلال، وهو يختلف عن المقصود.
-
عظامك: عضامك، أظافر: أضافر.
هذا فإن نطق الظاء في اللهجة الفلسطينية ضعيف جدا، وعادة تحول الظاء إلى حرف أكثر خفة.
5ـ نطق الهمزة المتوسطة في الصوت الشعبي : همزة وسط الكلمة في اللهجات الشعبية لا تنطق، وإنما تقرّب إلى حركة الحرف الذي قبلها ويشبع بحرفه، هذا جائز في اللغة العربية الفصيحة، وهو صوت فصيح من لهجات العرب القديمة، والصوت الشعبي في نطق الهمزة مثل: بئر: بير ـ لؤلؤ: لولو، فأس: فاس.
6ـ تاء المخاطبين مع الأفعال: والـ "تم" ذاتها عندما تتصل بأسماء أو ضمائر مثل: أنتم لهذا المقطع "تم" إشكالية في اللهجة الشعبية، فهي تنطق بإشباع حركة التاء مع إهمال الميم وتصبح مثل واو الجماعة في النطق فمثلا أكلتم للمخاطبين: تنطق بالصوت الشعبي: أكلتو، كنتم: كنتو، أنتم: إنتو.
7ـ الحذف والقلب والإبدال : في اللهجات الشعبية يكثر في بعض الكلمات حذف حروف أو قلبها أو إبدالها بحروف أخرى:
- الحذف: مثل: لاحظ الحذف الجاجات، الجاجة: من الدجاجات والدجاجة. هناك شكل آخر من أشكال الحذف، هو حذف همزة الألف الممدودة، هذا جائز في اللغة العربية، مثل: البيضا بدل البيضاء، ومثلها: الحمرا والسمرا والسما بدل السماء العشا بدل العشاء.
- الإبدال: مثل: ينتلي بدل يمتلي وهي في اللغة يمتلئ. في الصوت الشعبي لهذه الكلمة أبدلت الميم نونا ولم تنطق الهمزة الأخيرة مع تسكين حرف وسط التاء. مثل: جمب بدل جنب، وقد ورد ذكر هذه الأصوات في نطق صوت الميم والنون في كتاب الأصوات اللغوية للدكتور ابراهيم أنيس(أنيس، 1971م).
- القلب: مثل: جوزها بدل زوجها وهي شعبيا معروفة جدا.
8ـ التاء المربوطة : تنطق التاء المربوطة هاء في الصوت الشعبي. هذا يتشابه مع الصوت الفصيح لقراءة التاء المربوطة في آخر الكلمة. مثل فاطِمَة: فاطْمِه لاحظ التسكين لحرف الطاء.
9ـ زيادة حروف على الكلمة : تزيد اللهجات الشعبية حروفا معينة في بداية الكلمة لتدل على معنى جديد. هذه الحروف لا علاقة لها باللغة الفصيحة، لكنها تؤدي إلى معنى نفهمه في العامية، فمثلا نقول:
-
تًـَتِعمل وهي تَ تِعمل/ التاء الأولى زائدة تفيد معنى حتى.
-
بْتعمل وهي بْ تِعمل / الباء الزائدة بمعنى الآن "للمضارعة" وتسمع ابْتِعمل. وهي شكل من أشكال بالتلتلة كسر حركة حرف المضارعة أول الفعل مثل نَلعب تلفظ بكسر النون. وليس بفتح النون كما الفصحى.
-
عَ دارو وهي عَ دارُه/ العين تعني على. علما أن هذه الحالة صحيحة لغويا وقد استعملها المتنبي بضع مرّات (عَلْماء بمعنى على الماء) لكن نادرة.
10ـ النفي في اللهجة الشعبية : أحيانا يكون النفي في اللهجة الشعبية بإضافة ميم مفتوحة أول الكلمة وشين آخر الكلمة، مع كسر الحرف الأخير. مثل: مَخلفتِش. معملتش وهيمن أصل: "ما خلفت ش ".
11ـ التعريف : تستفتح ''الـ'' التعريف بهاء تدخل على الكلمات المعرفة أحيانا، وقد تكون هذه الهاء هاء التنبيه التي تشتهر بها أسماء الإشارة، مثل هالْبنت، هالدْار.
12ـ التعجب والاستفهام والإنكار والنداء في اللهجات الشعبية الفلسطينية : تعتمد على نبر الصوت أكثر من الأدوات المستخدمة لذلك. مع ذلك يمكن انتقاء بعض الأصوات التي تصدر لدلالات معينة مثل:
-
يأ : للتعجب عند أهل الخليل.
-
لسّا: لم يحن الوقت.
-
عزا: للتعجب والتذمر عند أهل رام الله.
-
إسا وهلأ: الآن في الوقت الحاضر.
-
اخص: للتذمر والاستنكار
13ـلا تهتم اللهجات الشعبية بالإعراب وعلاماته، فلا مكان لعلامات الإعراب من ضمة وفتحة وكسرة في اللهجة الشعبية الفلسطينية وتقفل الكلمات بالتسكين عادة.
14 ـ لكل مدينة أو قرية صوت خاص بها في اللهجة الشعبية وهي الموسيقى الصوتية للهجة الشعبية الدارجة في المكان المحدد وهذا يكون لاعتبارات ثقافية خاصة بأهل المكان، وطبيعتهم، فمثلا أهل الخليل الذين يعتبرون اللهجة القوية من صفات القوة والرجولة وبعيدة عن الميوعة فنجدهم يشدون الأحرف ويمدون حروف العلة بشكل واضح مدا طويلا، ويميلون إلى تسكين الحرف الثاني من الكلمات.
والمط هي الموسيقى الصوتية التي يعرفون بها. وهو "مط" الكلمات بحيث تأخذ في الفم حيزا أكبر وأوسع. وكلمة المط جاءت من المطاط. ويكون المط جميلا إن كان خفيفا، أما المبالغة به فغير محببة حتى عند أهل الخليل ذاتهم.
أما الموسيقى الصوتية لأهل نابلس فهم يميلون إلى ضم الحرف الثاني من الكلمات، وتحريك الحروف الساكنة فتبدو لهجتهم أقل شدة. وتوجد في لهجتهم مطة أيضا لكن تختلف لكنتهم عن أهل الخليل.
أما الموسيقى الصوتية لأهل صفد والقدس فهم يميلون إلى كسر الحرف الثاني.
أما أهل غزة فالموسيقى الصوتية للهجتهم خفيفة، وذات لحن ناعم تشبه لهجة أهل مصر، وهم يستخدمون بعض المفردات المصرية. مثال: خبْز وفرْن/ الخليل، خبُز وفرُن/نابلس، خبِز فرِن/ صفد والقدس.
اهتم الفنانون بتعزيز هويتهم الفلسطينية من خلال الأغاني الحديثة وقد ظهر مؤخرا كثير من الفنانين المغنين والممثّلين يؤدون أعمالهم باللهجة الفلسطينية القح. من أمثله الغناء الحديث باللهجة الفلسطينية المدنية: أغنية برد أجيلك للمغني والملحن باسل صادق، أما أنس أبو سنينة وعدي الزاغة يغنيان باللهجة المدنية للقدس والخليل مثل أغنية " أنا ولا شي"، واشتهرت أغنية الحب الترللي، وكذلك أغاني المغنية الفلسطينية دلال أبو أمنة. وكثيرون على اليوتيوب.
من أمثله الغناء الفلسطيني باللهجة الفلاحية: أغنية يا زارعين السمسم غناء فرقة الفنون الشعبية:
يا زارعين السمسم خلي السمسم ع امو" امه"
واللي يهوى وما يوخذ
شبو السمسم ع راسو/ كبوا
بتناديني يا حراث
ماني حراثابوتشي/ " أبوك"
كاعدبنطر بالزرعة / قاعد، انطر
تاعمّر ارظ ابوتشي/ " أرض" "أبوك".
من الجدير بالذكر أن اللهجة الفلسطينية غنية بالمفردات الفلسطينية، واهتم بعض الباحثين بإنشاء معاجم لغوية شعبية تسجل فيها المفردات ذات المعنى الغني. إذ أن الصوت اللغوي الشعبي الفلسطيني لا ينسلخ عن مفرداته الشعبية، وهذه المفردات الشعبية تأثرت باللغة التركية بعد سنوات طويلة من حكم العثمانيين في فلسطين. وكثرة العابرين على هذه الأرض المقدسة. كما تأثرت مفردات الحكي الفلسطيني ببلاد الشام ومصر والعراق.
أورد بعض الألفاظ الشعبية الفلسطينية في سياقاتها اللغوية مع توضيح لمعانيها وهي دارجة وموثقة في معجم الألفاظ الشعبية الفلسطينية:
فشكة: رصاصة. بوز: فم. خشم: انف. سيرج: زيت السمسم. قشاط: حزام. حبطرش: كثير جدا. رصيص: زيتون مكبوس. صرماية: حذاء. قمبز: جلس بوضعية القرفصاء. زقّم: أخذ مكان غيره في الطابور دون إذن. وغيرها كثير.
خاتمة
يقول الدكتور مصلح كناعنة في كتابه اللهجة العامية الفلسطينية ... عربية أم موروث كنعاني: "حاولت التعرف على المفردات غير العربية في العامية الفلسطينية الدارجة وتتبع تاريخ ترحال وتوارث هذه المفردات عبر الأجيال والأقاليم والثقافات فالكلمات كالبشر ترحل وتهاجر وتنتقل من بلد إلى آخر وتتوارثها شعوب وأمم، وعليه فان تتبع تاريخ ترحال وتوارث الكلمات في حقيقة الأمر هو تتبع لتاريخ الاحتكاك والتفاعل بين الثقافات المختلفة فمع ان الثقافة محدودة المبنى والحدود إلا أنها نظام مفتوح على محيطه الثقافي يستقبل ويمنح ويتورد ويصدر ويستعير ويُعبّر".
من خلال قراءتنا لهذا الكتاب فإنه يعتبر أن اللهجة الفلسطينية بمفرداتها العامية المتجذرة ما هي إلا وليدة حضارة كنعانية متجذره تأصلت بمن عاشوا على هذه الأرض المقدسة.
هكذا يتميز الشعب الفلسطيني بلهجته الخاصة، وتقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث نطق الحروف: لهجة القرى ولهجة المدينة ولهجة البادية، أما موسيقى الحرف فتختلف أيضا من مكان إلى مكان وهذا يظهر في المشافهة، وتعرّف لهجه الشخص هويته التي ينتمي إليها وبما أن الشعب الفلسطيني كل واحد ، رغم تعدد اللهجات فهم يفهمون بعضهم بعض، وهم لا يختلفون كثيرا عن اللهجات الشامية، وبما أن اللهجة تعد العلم المسموع ويعرف بالمشافهة وليس المكتوب فإن توثيق اللهجات والاقتراب من شرحها يعد صونا لها خاصة مع العولمة التي أصابت اللهجات بكثير من التغيير.
يعتبر حرف القاف وحرف الكاف من أكثر الحروف اختلافا في النطق، في فلسطين في هذه الدراسة أوضحت ما استطعت من صوت الحرف وطريقة النطق بين الناس.
لأجل هذا كلّه، هناك الكثير من جامعي المصطلحات والتّعبيرات الشّعبية الفلسطينية، يعملون على حماية اللّهجة الشّعبيّة وصونها من الضّياع.
المراجع
إبراهيم أنيس، (1971). الأصوات اللغوية الطبعة الرابعة . القاهرة، مصر: مكتبة الأنجلو المصرية.
إبراهيم أنيس، (1995). في اللهجات العربية الطبعة التاسعة . القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
السجل الوطني للتراث الثقافي غير المادي. الحكايات الشعبية المسجلة شفاهيا . فلسطين: وزارة الثقافة.
أماني الجنيدي، (2012). لولا سلامك سبق كلامك:مجموعة حكايات شعبية فلسطينية جمع وتحرير . فلسطين: وزارة الثقافة الفلسطينية.
أنيس فريحة، (1979). اللهجات وأسلوب دراستها . بيروت: دار الجيل.
رمضان عبدالتواب، (1976). المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي . القاهرة: مطبعة المدني.
شريف كناعنة، (2011). دراسات في الثقافة والتراث والهوية . رام الله، فلسطين: المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية.
عبد الرؤوف خريوش، (2004). اللهجات الفلسطينية دراسة صوتية . عمان، الأردن: دار أسامة للنشر والتوزيع.
محـمد توفيق السهلي، (2020). موسوعة المصطلحات والتعبيرات الشعبية الفلسطينية . فلسطين: دار جنين للدراسات الاستراتيجية.
محمود السعران، (1997). علم اللغة مقدمة للقارئ العربي . القاهرة: دار الفكر العربي.
مصلح كناعنة، (2019). موسوعة المفردات غير العربية في العامية الفلسطينية . عمان الأردن: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع.
أماني الجنيدي :كاتبة روائية، خبيرة في التراث الثقافي غير المادي.
المؤلفون الأكثر بحثًا
المقالات الأكثر قراءة
- التراث الثقافي بالجزائر : المنظومة القانونية وآليات الحماية
- التّراث الشّعبي والتّنمية المستدامة. قراءة في الرّقصات الشّعبيّة
- Eléments d’histoire sociale de la chanson populaire en Algérie. Textes et contextes
- Les Turcs dans la poésie populaire Melhoun en Algérie. Emprunts et représentations
- Mot du directeur du CRASC