الشاشيّة التونسية غطاء رأس رجالي، رمز وهوية. تراث ثقافي لامادي جدير بالصون والتثمين
تقديم
لقد مثّلت الشاشية التونسية جزءا أساسيا من اللباس التقليدي الوطني، زيادة عن كونها تحمي الرأس من حرارة الشمس في الصيف أو لفح الهواء البارد في الشتاء. كانت تدل على مركز وشخص لابسها. فرجال القضاء لهم طريقتهم في لبسها تختلف بين القاضي المالكي والقاضي الحنفي، كما كانت تختلف أيضا حسب الجهات الجغرافية، فلكل منطقة طريقة لبس معينة، لذلك إذا ما نظرنا في فترات ازدهارها في السوق الداخلية تستطيع بها وبطريقة لبسها معرفة منطقة حاملها، لكن في الوقت الحاضر وأمام مزاحمة منتوجات أخرى لغطاء الرأس الرجالي شرقية منها وإفرنجية بالأساس مست كافة شرائح المجتمع مع ما فرضته الحداثة على صنع الشاشية التقليدية توحدت تقريبا طريقة لبسها وفقدت روحها حيث كان كل نوع من المنتوج يمثل طبقية اجتماعية معينة، مرد ذلك إلى الضربات التي وجهتها الحداثة الوافدة من الغرب وخاصة في الفترة الاستعمارية واشتداد المنافسة الشرسة، حيث لم يوفق لا أهل الحرفة ولا المشرقين على القطاع في اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها ومعالجة الكساد الذي أصاب منتجاتها. عدول الأطفال والشباب عن لباس الشاشية وعدم رغبتهم في امتلاك تقنياتها ومهاراتها مثل أهم عائق لهذه الحرفة، كما أدى إلى تراجع وضعف مرد وديتها المادية ومعاناة من بقي في القطاع من صعوبة توفير المستلزمات وتحصيل الأجر المادي للعيش[1].
في عهد ماض كانت من أهم الحرف المساعدة على الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي حتى إنها ارتبطت عند البعض بمفهوم البَلْدِية وبالحرفة النظيفة. وتمتاز الشاشية التونسية بجودة عالية، فهي ترفض الاقتباس أو التقليد وتتطلب مواد أولية بسيطة خاصة ومحددة وطبيعية ولها في كل مرحلة أدوات وتقنيات وطرق حرفية يدوية بالأساس لابد من تطبيقها، وفي ذلك احترام لأصول صنعتها وضمان لجودة منتوجها الذي يتطلب مدة من الوقت تراوح بين 3 و4 أشهر. إنها عمل حرفي يتطلب التريث والصبر فطرق إنتاجها مدروسة وليست اعتباطية تضمن جودة وسلامة المنتوج[2] كما تضمن حق الحرفي والمستهلك في الوقت نفسه، فليس بالسهل على أي كان أن يتقنها ويتمرس بآلياته إلا بعد المرور بمراحل التعلّم والتدريب على أيدي "معلم شواشي" يواكب ويعيش تقريبا كل المراحل الإنتاجية ويرصد كل مراحلها بدقة مع كثير من الصبر، خاصة وأنها حرفة تتطلب العديد من الأشخاص ابتداء من المعلم إلى الكباسة إلى عمال التبطين وعمال الصباغة.
لذا وجب رد الاعتبار لهذا اللباس التقليدي الرمز لما يمثله من ركن أساسي في تراثنا وشخصيتنا الوطنية ومقوما من مقومات أصالتنا وانتمائنا الحضاري والتاريخي وهذا رهين عمل مشترك ووعي جماعي بين كل الأطراف من أصحاب المهن والحرفيون والمهتمون بالتراث والباحثين في مجالاته وأهل القرار لاتخاذ سياسة تراعي وتحافظ وتنهل من إبداعات هذا التراث الحرفي وتقدمه وتعرف بالقواعد الصحية والمضبوطة لفن حرفة الشاشية وتبرز مدى إشعاع منتوجها داخليا وخارجيا لتشكيل وثيقة علمية وعملية حول هذا اللباس الذي مثل جزء من الزي التقليدي التونسي. الغاية من ذلك إعادة الاعتبار بعد فترات التقلص والتراجع التي مر بها هذا القطاع والذي تسبب في إفقاده الصلة بالأجيال الحاضرة. وسنعتمد الصورة والإحصائيات والاستمارات والتحليل والتعليل لكل ما يهم الحرفة والحرفي حتى نبيّن مزايا وخصائص هذا اللباس وأنواعه وأشكاله وألوانه محاولة منا لإثارة وحفز الاهتمام به مجددا خاصة وأنه يمثل جزء ينصهر مع بقية أجزاء اللباس التقليدي وحتى الإفرنجي وتحقق الشاشية لحاملها الأناقة وجمال المظهر مع إضافات ومكملات أخرى لبعض الفئات الاجتماعية كالعمامة بمختلف أنواعها وألوانه، كما مثلت بعدها الجمالي من أهم أسرارها وخصوصيتها للوقوف في وجه الحداثة والتحديث، كما ازدهر استهلاكها في فترة الحماية في قالب أداة لمقاومة المستعمر والتشبث بالهوية الوطنية.
الشاشية التونسية تراث ثقافي لامادي (UNESCO, 2004) (Babelon & Chastel, 1994) (البقلوطي، 2005)[3]
هل الشاشية التونسية تراث ثقافي لامادي كلباس رجالي؟ أم هي تراث ثقافي لامادي كمهارات وتقنيات ومعارف؟ أم الاثنان معا؟ وهذا ما سنقف عليه عند الشرح الإجرائي لمفهوم التراث الثقافي اللامادي وتعريفه كما ورد في اتفاقية اليونسكو لسنة 2003.
يستعمل هذا الاصطلاح "التراث الثقافي غير المادّي" نفلا إلى العربية من الاصطلاح باللغة الإنجليزية Intangible cultural heritage (ومرادفه باللغة الفرنسية المعتمد في بلاد المغرب العربيPatrimoine culturel immatériel). وانطلاقا من النصوص التي ثبتتها منظمة اليونسكو بشأن التراث الثقافي وخاصة ما يتعلق باتفاقية حمايته التي أمضت عليها ستون دولة بما فيها بعض الدول العربية. بيد أننّا نرجّح استعمالا لاصطلاح كالآتي "التراث الثقافي اللامادي" تجنّبا لكلمة "غير" ذلك أن هذه المفردة بقدر ما تفيد بمفهوم العكسية بقدر ما تؤكد على مفهوم "الغيرية". والحال أن الاصطلاح الإنجليزي(intangible) ومرادفه (immatériel) لا تفيد بذلك. ومن جهة أخرى، لا يتضمن التراث الثقافي ذاته وعكس ذاته، أو ذاته وغير ذاته، بل هو وحدة متكاملة، جانب منها ظاهر ملموس (وهو ما تجسّد في إنتاج الإنسان من مصنوع ومشيّد، الخ)، وجانبها الآخر المجرد، ذهني، تحفظه الذاكرة الجماعية ويعبّر عنه اللسان ويُستقرأ مما تراه العين وتلمسه اليد. ويتمثل هذا الجانب في المعارف الجماعية وحذق المهارات...والملكات الإبداعية الجماعية في مختلف مجالات الإبداع والابتكار وهو ينقل مواترة من جيل إلى آخر، ممثلا بذلك تراكم الذاكرة الجماعية. وبدونه لا يمكن لعناصر التراث المجسّد (المادي) أن يتواجد، وأحيانا بإمكانه أن يتواجد هو دون أن يتجسد في أشكال تراثية مادية. هذا الجانب من التراث هو ذات التراث وليس غيره، ومنه فإننا نفضل اعتماد اصطلاح "اللاّمادي" حيث تفوّق "اللاّ" المجرد والذهني. وأنظر بهذا الشأن بالإضافة إلى النص الملحق حول "التراث الشعبي بين المادّي واللامادّي" (UNESCO, 2004)، (Babelon et Chastel, 1994)، (أيّوب، 2007).
تعريف الصون : نعني به ضمان استدامة التراث الثقافي غير المادي بالممارسة المستمرة لهذه النوعية من التراث ونقله مع الإبقاء على قيمته ووظيفته بالنسبة للأشخاص المعنيين تهدف تدابير الصون إلى إنشاء ظروف عامة ومواتية لازدهار التراث الثقافي غير المادي تستهدف تدابير الصون عناصر محددة من التراث الثقافي غير المادي أو مجموعات من العناصر تواجه تهديدات أو مخاطر تحدق باستدامتها[4].
الإطار الزماني والمكاني لحرفة الشاشية التونسية
لا بد من الفصل بين عنصر المكان والزمان عند دراسة هذا العنصر الحرفي الثقافي، فمن حيث الصنع يتركز في مدينة تونس العتيقة والمناطق المجاورة لها وخاصة ذات الجالية الأندلسية. أما أماكن التزود بالمادة الأولية كالصوف تجلب من المناطق الداخلية والجنوبية وهي وسيلة اقتضتها نجاعة البحث ومرد ذلك إلى وضوح شبه تام لتموقع حرفة الشاشية والأنشطة المرتبطة بها في المقابل غموض وتداخل في أصولها وكيفية ومتى وردت إلى البلاد التونسية. أما الفضاءات الخارجية والمرتبطة بهذه الحرفة والموجودة تقريبا في الأجوار القريبة للحاضرة فهي كالتالي:
إن حرفة الشاشية هي عملية فنية تشكل سلسة من المراحل المترابطة والمتمثلة ببعضها البعض ولا يمكن المرور لمرحلة من مكان معين إلى آخر دون أن تكتمل التي سبقتها.
- منطقة العالية بولاية بنزرت حيث يزرع الكرضون وهو نبات يستعمل في التقرد يش.
- منطقة أريانة: أين يزرد ويكبس الكبوس في المنزل من قبل النسوة.
- منطقة ورغمة بالحبوب: في بعض الفترات استعملت لتنظيف وتقرديش وغزل الصوف.
- منطقة منوية الجديدة طبربة: أين تتم عمليات التلبيد والتبييض والغسل للشاشية.
- منطقة زغوان: تغسل الشاشية ويأتي بالقرمز الأحمر يستعمل في الصباغة.
كما كان لهذا اللباس الرمز سوقا مثل فضاء تجاري وحرفي مؤطر إداريا له أمين وإدارة ولجنة حرفة له تراتيب مضبوطة جاري بها العمل.
الشكل 1 : تموقع حرفة الشاشية والأنشطة المرتبطة بها
المصدر : المؤلف
الإطار التاريخي
إن البحث في هذا الإطار محدود النتائج لغياب المستندات والوثائق التاريخية المدعمة والمحددة لتاريخ معين لظهور هذه الحرفة في بلادنا. كما أن البحث في مصطلحات هذه الصناعة و أصولها تحيلنا لمنطقة دون أخرى و في فترة دون أخرى (أغلب المصطلحات أندلسية) كما أن كلمة شاشية تحيلنا إلى منطقة "شاش" بإيران مما يفتح باب احتمال ورودها مع الفتوحات الإسلامية الأولى وخاصة مع الجنود الخرسانيين وفي بعض المصادر نجد الحديث عن وجود سوق للشاشية بالقيروان عاصمة الغرب الإسلامي مما يتيح لنا أن نتساءل هل انتقلت إلى الأمصار المفتوحة انطلاقا منها باتجاه المغرب والأندلس، ولكن الواضح أنه مع سقوط غرناطة (1492) وعمليا الاضطهاد المسيحي للأندلسيين المسلمين وهجرة ما عرف بالمورسكين إلى شمال إفريقيا (حوالي 30000) ومن بين ما حملوه من خبرات ومهارات حرفية إضافة العديد من التقنيات والفنون الأخرى المعمارية أو الفلاحية. ولعل أهمها صناعة الشاشية التي ازدهرت بالبلاد التونسية، ولئن أعوزتنا المصادر والمراجع في الفترات السابقة لرصد تاريخ هذه الصناعة التقليدية. المتأكد منه أن هذه اللباس اكتسب كل مقومات النجاح خاصة خلال القرنين 17 و18 ونصف القرن 19 مما جعل صناعته تمثل رافد من روافد الرقي الاجتماعي والاقتصادي لبعض العائلات الحضرية وحتى الوافدة ذات الأصول التركية أو الأندلسية والمحلية الوافدة من الأفاق، كما أن الظروف كانت ملائمة لازدهارها[5] وحملها من قبل أهل القرار ازدهار هذه الحرفة فكانت متعددة ومحددة ارتبطت بطبيعتها كحرفة تطبيقية ونبيلة... كما مثّل جامع الزيتونة القلب النابض للمدينة لما احتله كمركز ثقافي وحضاري وتاريخي وتعليمي للحضارة ففي ظل فترة الانتعاش التي عرفتها هذه الحرفة توسع مجالها الحرفي والتجاري بالمدينة العتيقة إلى أربعة أسواق. السوق الكبير، السوق الصغير، سوق سيدي بن عروس، سوق الحفصي. (إضافة الى أماكن أخرى خارج المدينة العتيقة كما تبينه الخريطة الموالية)
الشكل 2 : خريطة توسع المجال الحرفي والتجاري بالمدينة العتيقة
المصدر : المؤلف
كيف تصبح معلّم في صناعة الشاشية التونسية؟
وبالحصول على الإذن العلي يكون المعلم الجديد قد تحصل على أمر بمثابة شهادة الكفاءة المهنية وهي الوثيقة الرسمية التي تخول له بأن يتعاط صناعة الشاشية، وبأن يصنع ختم يكون به اسمه ولقبه وعلامته المميزة سيوقع به على ما يصنعه من شواشي.
الشكل 3 : مراحل تأهيل صانع الشاشية التونسية
المصدر : المؤلف
الشكل 4 : عيّنة من نموذج لأمر علّي صادر عن أحد بايات تونس يسمح للحرفي بصناعة الشاشية التونسية
المصدر : الأرشيف الوطني التونسي
المواد الأولية الأساسية لهذا اللباس الرمز
- الصوف: مواد حيوانية تجلب من فرنسا، المغرب، الصين، روسيا وإسبانيا.
- مواد الصباغة :
- مواد طبيعية نباتية:
-
- القرمز: هو من أصل عربي وهي مادة ملونة نباتية تستخرج من نبتة توجد في المناطق الحارة تكون جذورها حمراء اللون تكون مادة ذات لون أحمر لا تتأثر هذه المادة بأشعة الشمس أو بالرطوبة تجلب من الجزائر وروسيا والبرتغال.
- الكشنيليا: هي من أصل إسباني "كوشنلا" هي مادة من أصل حيواني وهي حشرة تعيش في أمريكا اللاتينية وجزر الكناري وتكون مادة ملونة حمراء
- المواد الاصطناعية : المواد الكيمائية
- Sel uni chrome
- Sulfate de soude
- Acide sulfurique
- Bleu uni chrome
-
- مواد طبيعية نباتية:
- الكرضون : هو نبتة تزرع بالعالية مدينة بنزرت وتستعمل لتمشيط الشاشية.
الصــوف: يوفر الصوف المستعمل في صناعة الشاشية في شكل خيوط مغزولة مستورد واقتضت الحاجة في بعض المرات لاستعمال الصوف المحلي الذي يعد اقل جودة عند إستعماله لصناعة الشاشية ذات الجودة العالية فإنه أصبح يجلب من الخارج جاهزا: فرنسا، المغرب، الصين، إسبانيا.
مراحل عمل الشاشية
هي عملية فنية تشكل سلسة من مراحل مترابطة ببعضها البعض ولا يمكن المرور لمرحلة من مكان معين إلى آخر دون أن تكتمل التي سبقتها. أنظر الرسم
- التكبيس: وهي حياكة الكبوس وتكون عن طريق امرأة محترفة في حياكة الكبوس وزرده. وتستعمل في هذه العملية العدَة والتي تتكون من 5 إبر. وتمر عملية التكبيس بأربع مراحل:
- البـدو: وهي المرحلة الأولى وتستعمل فيها المرأة إبرتين.
- المرحلة الثانية" القاع": وهي حياكة المنطقة الوسطى التي تغطي الرأس عندها تدخل الكباسة إبرة ثالثة.
- الحيط: وفي هذه المرحلة تدخل الكباسة الإبرة الرابعة.
- القفل: وهي المرحلة الأخيرة.
تعرف نساء مدينة أريانة بحياكة الكبوس.
- العقدة: يقوم بها في العادة الحرفي وفي بعض الأحيان الكباسة وهي عبارة عن قتلان نهاية خيط الصوف في الكبوس.
- وضع نيشان الماء على الكبوس: هو في شكل رسم يطرز على الكبوس وهي علامة خاصة بكل حرفي
- غسل الكبوس: يتم غسل الكبوس بمدينة البطان من ولاية منوبة وتعرف هذه العملية كذلك بالتلبيد.
- التقرديش: وهي تقنية تستعمل في مدينة العالية بنزرت.
- وضع النيشان: يطرز النيشان في الشاشية من الداخل بالخيط وهو علامة مميزة للشواشي لتفريق بين المنتوج.
- تركيب الكبيتش: وهي تقنية تقوم بها المرأة وتتم كما يلي: تأخذ المرأة من 20 إلى 30 فتلة صوف تغميسها في الماء الساخن والصابون ثم تقوم ببرمه إلى ان يصبح فتلة كبيرة تسمى كبيتش وتثبت على الشاشية.
- صباغة الشاشية. تدوم مدة الصباغة 8 ساعات، يوضع العمال التلحيق والتي تحتوي على 20 إلى 25 شاشية والتي تساوي 2500 كغ في "مرميطة" يوضع فيها مادة الألن وهو "الشب" ثم يقوم بالتحريك لمدة ساعتين وبواسطة «فركه" من الخشب يقوم بإخراج الشاشية من المرميط ليضعها في آخر يكون ممتلئا بماء صاف ويتركها مدة إلى أن تختفي مادة الألن.
بعد أن يتأكد رئيس العمال من أن مادة "الشب" قد أزيلت تماما من الشاشية يأمر برمي الشواشي في مرميط آخر يحتوي على المادة الملونة ويحرص على أن يعدها بنفسه وتكون موافقة للمواصفات المطلوبة وتدوم المدة ربع ساعة ثم تخرج الشواشي لتوضع في إناء آخر ممتلأ ماء نظيف وتتواصل هذه العملية مدة طويلة إلى أن يتأكد من نجاح عملية الصباغة.
بالنسبة للشواشي ذات اللون الأحمر الداكن تدوم ساعة ونصف. وبالنسبة للشواشي ذات اللون الأحمر الفاتح تدوم 45 دقيقة.
مثـــال : كيفية إعداد مادة الصبغة: بالنسبة لـ 25 كغ من الشاشية يستعمل 1.5 م3 ماء + 3 كغ من مادة الكوشنية مع 500 غ من الطرطر مع 500 غ عفص مع الزاز.
- القولبة: توضع الشاشية في قالب من الفخار وتسمى هذه التقنية بعملية القولبة.
- التجفيف : توضع الشاشية في الفرن لتجفف.
المرحلة الأخيرة تؤخذ الشاشية للمعلم لكي يقوم بالتثبت من جودة العمل إلى جانب تقنيات ومراحل أخرى.
- التمشيط الأخير لتنعيم الشاشية
- التعليب : L’emballage
الشكل 5 : مراحل عمل الشاشية
المصدر : المؤلف
الأدوات
- العــدَة: وهي خمس إبر تستعملها المرأة التي عليها إسم "الكباسة" لحياكة الكبوس وتحول بها خيوط الصوف إلى "سرء" وقد عرفت في ذلك العصر مدينة أريانة بحياكة الكبوس أي الهيكل الأول للشاشية
- بانكو: كان كل متجر في سوق الشواشين يحتوي على هذه الأداة وهي عبارة عن قطعة كبيرة من الخشب المصقول صنعت بدقة حتى يتمكن الصناع من الجلوس عليها ومباشرة أعمالهم في الوقت نفسه وكان كل صانع يحضى بمكان خاص به ويمكن أن تتسع لأكثر من صانع يصل العدد إلى ثلاث صُناع في بعض الأحيان وكان الجزء الأيمن فيها خاص بالمعلم أين يجلس هناك ويباشر عملية مراقبة صُناعه أثناء القيام بأعمالهم حتى يرشدهم ويمدهم بالنصيحة بأوانه
- البطرون: هذه الأداة عبارة عن شاشية قديمة يقع نقعها في خليط من الشمع والبيض والنشاء إلى حين تجف وبذلك يقع الحصول على شاشية صلبة ومتينة تساعد الصانع في عمله وخاصة أثناء القيام بعملية التنشيف أين يضع الشاشية عليها لمساعدته بصلابتها، فهي تقوم مقام السناد أثناء عملية الحلاجة.
- كوكان: هي أداة تصنع من الجلد وتأخذ شكل الركبة يقع تثبيتها عليها بواسطة قفل صغير يقفل خلف الركبة وتتلخص مهمتها في مساعدة الصانع على القيام بعملية التنشيف خاصة حتى لا تفقد الرجل أو بالأحرى الركبة وضعها الصحيح.
- ذبنينة : الذبنينة هي آلة يقع صناعتها من نبتة الكردون التي ذكرناها سابقا فبعد تجفيفها يقع إضافة الحديد إليها لتأخذ شكل أداة صلبة يستعملها الصانع لحلاجة الشاشية في مرحلة أولى .
- بتطاذوش: هي الأخرى أداة تصنع من نفس النبتة أي الكردون كما تستعمل كذلك لنفس العملية التنشيف أي تنعيم صوف الشاشية إلا أنها تختلف عن الأولى من حيث الشكل والحجم
- برينسة: هي أداة من الخشب تحتوي على لوحتين كبيرتين اللوحة الأولى توضع من الأسفل و الأخرى من الأعلى و بينهما توضع الشاشية ثم يقع الضغط عليها بواسطة قطعتين من الخشب كبيرتا الحجم ومستطيلتا الشكل تسميتها«tichefilte » وهذه الأداة كانت تساعد الحرفي في طي الشاشية ولا نستطيع المرور على ذكر هذه الأداة دون ان نذكر أن هذه الأداة قد اندثرت وقع الإستغناء عن استعمالها حيث لم تعد موجودة باستثناء عينة وحيدة فيمدينة تونس موجودة كعرض لا كاستعمال في متحف العادات والتقاليد الشعبية لمدينة تونس "دار بن عبد الله"
- العمادة: هي أداة جاءت كتعويض لأداة البرينسة حيث حافظت على نفس الوظيفة وهي عبارة عن قطعتين من اللوح توضع بينهما الشاشية وتتسع إلى ثلاث أو أربعة حسب الشكل المطلوب ثم يقوم الصانع بالجلوس عليها وتتطلب هذه العملية مدة طويلة من الوقت تصل إلى طيلة اليوم حتى نتحصل على الشكل أو بالأحرى الطي المطلوبة
- بنسح: هي أداة تعتبر ثانوية الوظيفة إلا أن دورها هام وهي عبارة عن ملقاط معدني مختلف الحجم بين الصغير والمتوسط يستعمله الحرفي لازالة الزائد من الشاشية.
- المقصة: هي أداة كبيرة الحجم تستعمل بالأساس لقص كل شعرة زائدة في الشاشية وكان موضعها الأساسي دائما حزام الصانع
- مقص: هي أداة صغيرة الحجم مقارنة بالمقصة وتلعب نفس الدور
- نواشن: إن كل متجر أو بالأحرى كل معلم كانت له نيشانه الخاصة به أي
"الختم" وهو العلامة الخاصة به والتي تميز منتوجه عن غيره من المنتوج، نجده مطرزا داخل الشاشية بالخيط كذلك على العلب التي تلف فيها الشواشي الموجهة سواء للأسواق المحلية أو الخارجية
الأطراف المتدخلة في صناعة الشاشية
تمر صناعة الشاشية التونسية بالعديد من المراحل بأماكن مختلفة مما يضفي تنوعا على الأطراف المساهمة في منتوجها ومن أهم هذه العناصر نذكر:
- المعلم : الشواشي ويعرف بـ "العرف" وعادة هو صاحب المتجر
والمسؤول والمشرف الأول على عملية الإنتاج في كل مراحلها، يحدد الكمية ويوفر المواد الأولية والأدوات اللازمة وينسق بين الجميع ويصل إلى هذه المكانة العملية والرتبة المهنية بعد الحصول على نيشان شواشي وهو علامة مميزة للحرفي يتحصل عليه بعد إتقانه لآليات الحرفة وبعد كسب ثقة الأمين ولجنة العشرة للحرفة بموافقة شيخ المدينة وصدور إذن عليَ عن الوزير الأكبر مما يكسبه الأهلية والخبرة الكافية لتعامل مع محيطه المهني
وتقول في هذا الصدد لوسات Lucette"وكل هذه التناقلات وهذه التحولات للمادة الأولية مسيرة من طرف معلمMaître بتونس. فهو الذي يوزع العمل وينسق بين حرف مختلفة ومستقلة".
الشكل 6 : المعلم : الشواشي ويعرف بـ "العرف"
المصدر : المؤلف
- القلفة: وتعد المرتبة المهنية الثانية في المؤسسة الحرفية بعد المعلم ويكون متمرسا بآليات الحرفة ويتقن جل مراحلها من تقرديش أبيض أو أحمر وتنظيم وترتيب لحسن سير العمل ونجاعة المردودية.
- الصانع: وتعد المرتبة المهنية الثالثة ويبدأ القيام بأعمال خفيفة ومكملة لعملية الإنتاج كمد الأدوات وتنظيفها وترتيبها وترصيف وفرز المنتوج مع قضاء حاجات المعلم الخارجية بالأسواق المجاورة.
ويمكن تصنيفهم كالتالي
الجدول 1 : تصنيف الرتب المهنية
السن |
الرتبة المهنية |
من 7 إلى 20 سنة |
صانع |
من 20 إلى 40 سنة |
قلفة |
من 40 إلى 60 سنة |
معلم |
المصدر : المؤلف
هذه عناصر الإنتاج المتواجدة بالمتجر أما الأطراف الخارجية فستعرض لها تراتيبا.
- الكباسة: هي المرأة التي تزود الكبوس وتكبيسه بواسطة العدة (5 إبر) هذا في صورة توريد الصوف مغزول في شكل خيوط جاهزة في فترات سابقة كانت المرأة التي تنظف الصوف ويغمس في الزيت لتكسب المرونة اللازمة ثم تقردش ويغزل ليتحول إلى الكباسة في مرحلة ثانية لكن هذه العملية نادرا ما شملت صناعة الشاشية التي إعتمدت تقريبا على الصوف المغزول المستورد.
- عملةالغسيل : ويعرف أيضا بالتلبيد أو التبطين حيث تتم عملية غسل الشواشي بالبطان بجهة طبربة وفي فترات سابقة بجهة زغوان .
- عملةالصباغة : وهم الذين يشرفون على صبغ الشواشي بألوان مختلفة وتتم هذه العملية بجهة الصباغين بالمدينة.
- الحمالة: وهم الذين ينقلون الشاشية في كل مراحلها بين المعلم والكباسة وأماكن التلبيد والصباغة والقولبة.
- القولباجي: وهو الذي يضع الشاشية في القالب ثم يجففها في الفرن لتأخذ شكلها الدائري تحضيرا لتمشيط والحلج والتقرديش.
وقد قدر الرحالة الفرنسي بيسونال الذي زار تونس سنة 1724 "أن القطاع ضم من 15000 إلى 20000 عامل (صناع، قلفوات، معلمية).
ونتيجة لهذا العمل المشترك والمعقد تتحصل على منتوج ذي جودة عالية قابل للاستعمال والترويج.
المنتوج
يُمثل المنتوج في حرفة الشاشية نتيجة عمل متداخل بين العديد من الأطراف للحصول على شاشية ذات جودة عالية ويتم ذلك وفي جميع مراحله تحت نظر "المعلم" صاحب الحرفة ويمكن دراسة المنتوج من حيث النوع أو اللون.
النوع: إن جودة المنتوج رهينة جودة المادة الأولية وخاصة الصوف وكذلك الصبغة الطبيعية القرمز ولقد تغيرت تسميات الأنواع من فترة إلى أخرى كما إرتبطت بعض أنواع ... كشاشية مجيدي، شاشية الباي، شاشية إسطنبولي:
- شاشية الباي: نسبة لنوع الشاشية المستعملة من قبل البايات.
- شاشية إسطنبولي : نسبة لمدينة إسطنبول
- شاشية مجيدي: نسبة للسلطان التركي عبد المجيد.
وتعرف بالبلاد التونسية وخاصة الدواخل بتسمية "الكبوس"مهما اختلفت أنواعها وأحجامها وأشكالها وألوانه.
كما كانت تنقسم إلى أنواع:
- شاشية رأس كامل .
- شاشية نصف رأس
- شاشية بالعطفة وتلبس خاصة لدى الجنود ورجال الشرطة
إن نوعية الصوف وجودته واحترام مراحل الحرفة وتقنيات الصنعة والصبغة هي المحدد اتلجودة المنتوج هذا بالإضافة إلى أهلية ومهارة "المعلم الشواشي" أما على مستوى الألوان فالمعروف عن الشاشية التونسية هو اللون الأحمر وخاصة اللون الأحمر القرمز (نسبة لنبتة القرمز) واللون الأحمر بكل درجاته تقريبا. ومن الأنواع نذكر:
- شاشية بالصوف : chéchia en laines شاشية بيضاء بدون صبغة.
- شاشية بالقرمز : chéchia au kermies هي شاشية بالصوف مصبوغة بالقرمز و يكون لونها أحمر قرمزي و هي الأصل في كل الألوان.
- شاشية بالفوة : chéchia à la carances هي شاشية بالصوف الأبيض مصبوغة الفوة و تعطي لون أحمر فاتح.
- شاشية بالفوة والنيلة : chéchia à la carance et l’inidigo هي شاشية من الصوف مصبوغة بالفوة والنيلة وتعطي شاشية ذات لون يميل إلى الأسود.
- شاشية بالنيلة : chéchia au pastel هي شاشية من الصوف المصبوغة بالنيلة الزرقاء و تعطي شاشية زرقاء اللون
- شاشيا بالكشنيليا : chéchia à la cochnilles وهي شاشية من الصوف مصبوغة بصبغة... من نبتة الكشلينا وتعطي لون احمر فاتح
شاشية بالمكملات
شاشية بالكبيتش القصير: تعد هذه النوعية من الشواشي من أكثر الأنواع استعمالا عند رجال الدين والأئمة ورجال القضاء وكذلك سكان مدينة تونس او ما يعرف بالبلدية.
الشاشية الطويلة بالكبيتش: وتعد من أجود وأثمن الأنواع ويلبسها رجالات الدولة والاعيان، وتعرف كذلك بتسمية شاشية اسطنبولي لكثرة رواجها وتصديرها الى إسطنبول، وكذلك تعرف بتسمية شاشية مجيدي نسبة للسلطان العثماني عبد المجيد الدي كان لا يحمل غيرها من الأنواع.
شاشية او كبوس المطهر: وهذه النوعية يحملها الطفل عند ختانه وتحمل بعض الرموز والعلامات والأشياء لتحميه تبعد عنه الشرور والحسد والعين، ومازالت جل العائلات التونسية تمارس هذه العادة ولا يتم ختان الابن الا بوجود الشاشية او كبوس المطهر مع بقية المكونات الأخرى، وبعد الختان توضع الشاشية بجانب الطفل المطهر وتوضع فيها الهدايا والتي تكون في أغلبها مالية من قطع نقدية.
شاشية او كبوس الرجل العادي: وهي شاشية عادية لا تكون عالية الارتفاع قليلة السمك في الصيف سميكة في الشتاء يحملها جل واغلب الرجال الكبار اما الشباب قليلا ما يحملها في المناسبات
ويكون المنتوج جاهزا للترويج والاستهلاك بعد مراحل عديدة ومدة تتراوح بين 3 و4 أشهر تطلبها صناعة الشاشية، ويلازم الشاشية علامة النيشان الموجودة على الشاشية عند الغسل (نشان ماء) وعند الصباغة (نشان صبغة) وكذلك على ورق اللف وهي علامة مميزة للشواشي تكون في شكل هندسي وذلك لتمييز بين البضاعة وتطرز بالخيط من الداخل لتفيد بأن المنتوج تم على يد حرفي شواشي معرف به وبمهارته وأهليته وهو ابن القطاع.
هذا وتفيد دراسة السوق الحالية إلى تنوع جديد في المنتوج خاصة الألوان التي تكاد توجد بأكملها كما أن الواجهة الأمامية من ناحية الجبهة أصبحت تحمل بعض الشعارات (كالعلم الوطني) كما طرز بالعقيق أو بخيط التطريز الملون أو المذهب لاستقطاب المرأة لاستهلاك هذا المنتوج ومن الابتكارات وجود شاشية ذات حزام جلدي دائري من الداخل لحمايتها من العرق كما يوجد بها غلاف داخلي شفاف من القماش حتى يقي الشاشية ،هذا المنتوج على غاية من الحرفية والدقة والجمالية الفنية التقليدية ميزته في المواد الأولية الطبيعية وقوته في الاستهلاك من طرف كافة الشرائح الاجتماعية و إشعاعه خارج تونس.
الحر فاء
ونعني به ترويج المنتوج واستهلاكه داخليا وخارجيا :
على المستوى الداخلي
مثلت الشاشية التونسية في فترات ازدهارها جزءا رسميا من لباس المواطن التونسي بكافة شرائحه صغار، كهول، شيوخ مما مكنها من كسب سوق استهلاكية داخلية هامة. بدأ تراجع الاستهلاك الداخلي نتيجة المنافسة الخارجية في البداية خاصة في النصف الثاني من القرن 19 رغم أقلية جودة المنتوج الوافد مقارنة بالإنتاج التونسي لكن في المقابل كان الثمن زهيدا مثل حوالي 10/1، ثمن الشاشية التونسية مما ساعدها في الانتشار بسرعة. كما أن في الفترات اللاحقة شهد المجتمع التونسي تغيرات على كل المستويات الاستهلاكية فظهر اللباس الإفرنجي لدى الشباب خاصة زمن الاستقلال وبعده كمظهر من مظاهر التقدم وسيطرة النظرة "المحتقرة" لكل ماهو تقليدي وحرفي والميول إلى كل ماهو آلي وصناعي كما تخلصت بعض الشرائح والفئات من استهلاك هذا النوع من اللباس خاصة الشباب وجزء هام من الكهول وأجهزة الدولة، فبقي الاستهلاك مقتصرا على بعض الفئات والرتب الاجتماعي كالأئمة والشيوخ وفي بعض المناسبات كالختان أو حفلات اختتام السنة لنشاط رياض الأطفال. على المستوى الخارجي (الكعاك، 1955) [6].
اكتسبت منتوجات الشواشية أسواق خارجية هامة ويعود ذلك لأهمية جودة هذا المنتوج مما جعلها تصدر إلى العديد من البلدان الإسلامية من بينها: تركيا، مصر، ليبيا، السودان، المغرب،ب لادالشام. وكذلك بعض البلدان الإفريقية : كالطوقو، مالي، النيجر، التشاد، السينغال. كما تفيدنا بعض المصادر والمراجع بأن بلدان كاليونان وفرنسا وبلغاريا وسربيا والبوسنا كانت من أهم الأقطار المقتنية للشاشية التونسية.
في هذا الإطار، يقول دونا "Dunant" : "ومن تونس تصدر الشاشية على إختلاف أشكالها إلى تركيا وإيران ومصر وباختصار إلى كل البلاد الإسلامية". وفي هذا الصدد تقول فالانزي "Valensi": "ومن ناحية أخرى فإن تونس بالرغم من المزاحمة الفرنسية والإيطالية تروج شواشيها في كافة ولايات السلطنة العثمانية من طرابلس إلى بلغاريا كما ترسلها إلى أجزاء المغرب وإلى إفريقيا السوداء".
الشكل 7 : الإشعاع الخارجي للشّاشيـّـة التونسيـــة خلال القرن التّاسع عشر
المصدر : مأخوذة من Google بتصرف المؤلف
خاتمة
وأخيرا، ورغم التقلص والتراجع الذي شهدته صناعه الشاشية بالبلاد التونسية كمنتوج فقد العديد من أسواقه وحِرفييه ومستهلكيه، إلا أن تواصل وجودها كحرفه وتطويرها رهين بالعمل على تشخيص ومعالجة صعوباتها وذلك يعد من أهم الأسباب لإعادة هذه الصناعة إلى سالف مجدها كما ان الابتكار وتطوير المنتوج الذي لم يعد يقتصر على الرجال فقط بل شمل حتى النساء مع اضافات في اللون والتطريز في واجهة الشاشية كذاك ترويجها لسياح في ألوان وانواع متعددة كل هذا يعد حلا من الحلول لخلق سوق استهلاكية.
لا يفوتنا أن نؤكد أنه منذ إقرار يوم وطني للباس التقليدي (16 مارس من كل سنة) هنالك من الحرفيين من عاد إلى سالف نشاطه من جديد، فشهد السوق حركية وانبعاث روح استهلاكية جديدة لهذا المنتوج. إلى جانب حرص أهل القرار بسن إجراءات وقرارات تحمي السوق من بعض الأنشطة الدخيلة وتوفر التسهيلات والمادة الأولية (الصوف المستورد) وتخلق شريحة استهلاكية لهذا المنتوج كحملها من قبل أعوان الاستقبال في المؤسسات العمومية والخاصة وخلق بعض المدارس النموذجية ذات الزى التقليدي بالعديد من المدن العتيقة بكافة البلاد التونسية وحماية السوق من البضاعة الأجنبية ومن بعض المنتوج المحلي الذي لا يراعى قواعد الحرفة ويصنع خارج إطار السوق، ومراقبة أمين حرفته مثل (صناعة الشاشية من الموكآت).
ان القضاء على هذه التجاوزات يعد من الأولويات لخلق ديناميكية جديدة لهذه الصناعة كما أن التعريف بها عن طريق الإشهار وتسهيل عمليات الاستثمار بهذا القطاع وخلق جيل جديد من الحرفيين الشبان لأخذ المشعل، يُدعّم التواصل ويُنمى الترابط ويمثل أرضية مساعدة للمحافظة على هذا المخزون الحرفي ويسهم في الارتقاء به ويجعل منه مواكبا وملائما لكل التغيرات التي لا تزيد إلا تنوعا و نماء وفضاء وآفاقا أرحب للانتشار والترويج داخليا وخارجيا (بن مامي، 1998، ص. 53)[7].
لكن بالرغم من تراجع وتقلص رواجها الا انها ظلت صامدة وموجودة كمكون أساسي من مكونات الهوية التونسية في مجال اللباس وخصوصياته. إنها تقتضي عصرا ذهبيا جديدا، من التجديد والابتكار يّمكنها من ضخ دماء جديدة لإنعاشها من جديد مما يسمح بخلق جيل جديد من الحرفيين كفيل بفتح آفاق جديدة لمنتوجاتها واكتسابها سوقا استهلاكية قوية. ويعود إشعاعها على المستوى العالمي كسفير ثقافي عبر مصارف جديدة ترويجية لبضائعها توفر العيش الكريم لحرفييها وتساهم في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي لهم وتشهد فترات ازدهار ورخاء دائمة ومتواصلة.
وخلاصة القول، فإن للشاشية التونسية أسرارا وخفايا فهي حرفة معقدة ومتداخلة الاطراف والمراحل، تضفي على حاملها الأناقة وجمال المظهر. إنها منتوج ذا جودة عالية وكانت لها شعبية وجماهرية كبيرة للاستهلاك. وتعد من أعرق وأنجع وأشع الصناعات التقليدية التونسية غزت بمنتوجاتها تقريبا جل أقطار العالم في فترات ازدهارها.
Bibliographie
Achour, M. B. (1988). Autorités urbaines de l'Economie et du commerce de Tunis au 19ème siècle. Tunis.
Achour, M. B. (1989). Catégorie de la société Tunisoise dans la deuxième moitié du XIXème siècle. Tunis : I.NA.A.
Babelon, J., & Chastel, A. (1994). la notion de patrimoine. Paris : Liana Levi.
Baroun, F. (2003). La corporation des chaouachias de Tunis mémoire d'un essor et enjeu de développement de l'entreprise aujourd'hui. Tunis : Centre de publication universitaire.
Ferchiou, S. (1971). Technique et société, exemple de la fabrication des chéchias en Tunisie, ses artisans, son commerce. Paris.
Fleuiy, V. (1985). L'Industrie Tunisienne des chéchias. Revue de commerce et de l'industrie.
Kassem, F. (1980). Le commerce d'importation des matières premières de la chéchia e Tunis dans la dernière moitié du XVIIIème siècle. Tunis : C.A.R. Histoire Faculté des Langues et des Sciences Sociales.
Masmoudi, M. (1983). Tunisie : L'Artisanat créateur. Tunis : CERES-Production.
Milad, M. B. (2004). Le petit livre de la chéchia: son histoire, sa fabrication, ses artisans, son commerce. Tunis : Esprit Eductions.
Pennec, P. (1964). Les transformations des corps de métiers de Tunis sous l'influence d'une économie externe de type capitaliste. Tunis : I.S.E.A.
Revault, J. (1970). Arts traditionnels en Tunisie. Tunis : Offive National de l'Artisanat.
Organisation des Nations unies pour l'éducation, la science et la culture (2004). Patrimoine Immatériel. Museum International.
Valansi, L. (1969). Production et commerce des chéchias en Tunisie
et en France (18ème et 19ème siècle). Revue d'histoire moderne et contemporaine.
البقلوطي، ا. (2005). مقولات في التّراث الشّعبي. تونس : تبر الزمان.
التيمومي، ا. (1997). تاريخ تونس الاجتماعي 1881-1956. صفاقص-تونس : دار محمّد علي الحامي.
القفصي، ع. (1984). وثائق جديدة حول إقامة "باطان" جديد لغسل الشّاشيّة. مجلّة إفريقيّة، سلسلة الفنون والتّقاليد الشّعبيّة، (8).
الكعاك، ع. (1955). صناعة الشّاشيّة الصناعة التّونسيّة الكبرى بين أمسها والغد مجلّة اللّطائف، صص. 4-5.
إينوبلي، ص. (2003). أسواق مدينة تونس أثناء القرن التّاسع عشر من خلال الرّحلات. شهادة الدراسات المعمّقة.
أيّوب، ع.ا. (2007). الحرف التّقليديّة ومواترة حذق المهارات. مجلّة الحياة الثّقافيّة، (192).
بن مامي، م.ا. (1998). أسواق مدينة تونس. مجلّة إفريقيّة، سلسلة الفنون والتّقاليد الشّعبيّة، (12).
بوعلي، ل. (1992). الحرف والحرفيّين في الإيالة التّونسيّة في أواخر القرن 18. شهادة الدّراسات المعمّقة.
زايري، ك. (2002). مؤسّسة الشّيخ بالمدينة تونس القرن 18-19. شهادة الدراسات المعمّقة.
زبيس، م.س. (1981). مدينة تونس العتيقة. تونس: المعهد القومي للآثار والفنون.
زبيس، م.س. (1983). بحوث عن الأندلسيّين في تونس. مجموعة مقالات. تونس: المعهد القومي للآثار والفنون.
عبدالكافي، أ. (1982). الشّاشيّة... تاريخها وتقاليدها وتطوّرها. مجلّة الفكر.
فروه، م. (2005). التجارة والتجّار في تونس خلال فترة الحماية التّونسيّة. شهادة الدّراسات المعمّقة.
مبسوط، ف. (2002). مؤسّسة بيت المال بالبلاد التونسيّة خلال الفترة الحديثة القرن 17 والقرن 19. شهادة الدّراسات المعمّقة.
هلال، م. (1988). العلاقات الاجتماعيّة بتونس 1861-1864. شهادة الدّراسات المعمّقة.
يدّر، ك. ب. (2005). الحرف والحرفيين بمدينة تونس خلال القرنين 18 و19. شهادة الدّراسات المعمّقة.
Salah FALHI - صالح فالحي
الهوامش
(1) المعهد الوطني للتراث تونس.
[1]فتراجعت المداخيل وبدأت هجرة اليد العاملة المختصة لهذا القطاع لفائدة أنشطة أخرى وفقد السوق التقليدي طابعه وانتشرت به محلات ذات طابع تجاري كالعطورات والمأكولات والمجوهرات فتراجع عدد التجار وعدد المشتغلين بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
[2]ولقد غزت منتجاتها كافة شرائح المجتمع التقليدي التونسي حتى فترة الاستقلال بكل جهاته كما مثلت منتوجاتها إحدى أهم الصادرات التونسية نحو العديد من البلدان العربية الإسلامية كمصر وليبيا والمغرب والجزائر وتركيا وبلدان أوروبية فرنسا وألمانيا وبلغاريا وبعض البلدان الإفريقية كالنيجر ومالي والطوقو، فرضت هذه الصناعة التقليدية نفسها داخليا وخارجيا ومثلت موردا ماليا في فترة ما.
[3]عبد الرحمان أيوب. الحرف التقليدية ومواترة حذق المهارات (قيد النشر).
[4]ما أقرته بنود اتفاقية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بخصوص حماية التراث الثقافي اللامادي وطنيا ودوليا. وهي خطة أقرّت كما هو معروف في الـ 17 من شهر أكتوبر من سنة 2003، ودخلت حيز التنفيذ الفعلي بداية من سنة 2006 بعد المصادقة عليها من طرف ثلاثين دولة من بين الدول الأعضاء، قبل أن تتوسع المصادقة على تلك الاتفاقية الدولية لتشمل 163 دولة عضوا في حدود سنة 2015.
ويَعتبِر الفصل الثاني من هذه الاتفاقية أن : "جميع الممارسات والتصوّرات الفكرية والتعبيرات الفنيّة والمعارف والمَلَكَاتِ (وما ينتظم في سلكها من أدوات ومنتجات وفضاءات ثقافية...) تعتقد التجمّعات البشرية أو المجموعات وكذا الأفراد ذاتهم في صلتها الوثيقة بتراثها الثقافي، يتعين إدراجها ضمن التراث الثقافي غير المادي".
ويخضع هذا المخزون الثقافي الذي تم توارثه جيلا بعد جيل ووفقا لما أقرته نفس الاتفاقية، إلى عمليات إحياء مستدامة من قبل من يمارسونه، وذلك في تناغم مع تحوّلات الوسط الذي يعيشون فيه ومقتضياته الطبيعية والتاريخية، وهو ما يُفضي إلى شعور أولئك أن ذلك المخزون يشكل عنصرا ناظما لهويتهم الجماعية، بل وشرطا من شروط اتساقها.
ويبرز ذلك بالخصوص في العديد من المجالات المتصلة بالتقاليد والتعبيرات الشفوية وفنون الفرجة والممارسات الاجتماعية والطقوس المتصلة بإحياء المراسم الاحتفالية والمعارف التقليدية والمعتقدات التي تحيل على تمثل خاص للعلاقات البشرية والظواهر الطبيعة. كما يحيل على مختلف المَلَكَاتِ التي تحتاجها الفنون الحرفية التقليدية والعديد من الفنون الموسومة بـ "المستطرفة"
ويتمثل الهدف المنشود من وراء صياغة هذه الاتفاقية والمصادقة عليها من قبل الدول الأعضاء بمنظمة اليونسكو في الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي بالتعويل على مجموعة من الإجراءات ينُجم عن الالتزام بتجسيمها على أرض الواقع ضمان للحدّ المطلوب من النجاعة أو الجدوى. ويتصل الأمر إجمالا بالاستكشاف والاحصاء والتوثيق والدراسة والبحث وتوفير جميع الأليات الكفيلة بالحماية ونقل المعارف التراثية إلى الأجيال الجديدة، سواء عن طريق مؤسسات التحصيل والتكوين، أو بالتعويل على المصاحبة والمحاكاة والتدرّب الذي توفره المسالك المهنية المتكفّلة بنقل المعارف أو التجارب التراثية بشكل متقن، مع العمل على تطوير منتجها الثقافي وتجويد محصلتها وإحيائها.
[5] وقد بين أحمد إبن أبي الضياف حيث قال : "وأعانهم عثمان داي على صناعة الشاشية التي كان لها سوق نافق في كثير من البلدان وقد كانت ضعيفة زمن الحفصيين وحصل للحضارة من الصناعة ثروة واسعة لأن صناعتها كثيرة"...
[6] "تخرج الكراريط من تونس محملة بالشواشي إلى الجزائر، وتخرج قوافل الإبل من فآس ومن طرابلس محملة بالشواشي, فتخترق الرمال و الكثبان بعد الكثبان طوال الأيام العديدة لتحمل هاته البضاعة الثمينة إلى أبناء السودان، وتخرج المراكب من حلق الوادي محملة بالشواشي إلى مرسى الإسكندرية أو إلى مرسى أزمير أو إلى اسطنبول أو إلى جزيرة ساقس لتنقل الشاشية الساقسي إلى سلاطين آل عثمان والأمراء والكبراء والقواد والجيوش والحراث في قلب الاناظول والبستاني في بلغاريا والفقيه في سرايا بوسنة" (الكعاك، 1955).
[7] "ومن المعلوم أن الشاشية التونسية كانت تصدر إلى العديد من البلدان الإسلامية: من تركيا إلى مصر وليبيا والسودان والمغرب والجزائر والشام وكذلك بعض من البلدان الإفريقية كالطوقو ومالي والنيجر والتشاد والسنغال ...، كما نعمل أن بلدانا كاليونان ورومانيا وبلغاريا وصربيا والبوسنة كانت هي الأخرى من أهم المقتنيين للشاشية التونسية." (بن مامي، 1998، ص. 53).
المؤلفون الأكثر بحثًا
المقالات الأكثر قراءة
- التراث الثقافي بالجزائر : المنظومة القانونية وآليات الحماية
- التّراث الشّعبي والتّنمية المستدامة. قراءة في الرّقصات الشّعبيّة
- Les Turcs dans la poésie populaire Melhoun en Algérie. Emprunts et représentations
- Eléments d’histoire sociale de la chanson populaire en Algérie. Textes et contextes
- Mot du directeur du CRASC