تقديم

تولي الجزائر، مثل البلدان الأخرى، مع تنوع ممارساتها وتعدد أشكال التعبير فيها واتساع تاريخها، اهتمامًا خاصًا لتحديد أصولها الثقافية والحفاظ على تراثها وحمايته. ركّز باحثون في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الثقافية والتخصصات الأخرى، في الكراسك CRASC (الحاج ميلياني، أحمد أمين دلاّي، فريد برّمضان، إلخ) وفي مراكز ومؤسسات بحثيّة أخرى، على جمع ودراسة وتحليل الأشكال والتمثّلات المختلفة لتراثنا الثقافي. وممّا أعطى هذه البحوث أكثر مصداقية، الاعتراف الذي تمثل في القانون الذي أقرّته الدولة، والذي يهدف إلى تحديد التراث الثقافي للأمة، وسن القواعد العامة لحمايته وصونه وتنميته، وتحديد شروط تنفيذه.يرتكز هذا البحث على مجهود عدد لا بأس به من الباحثين الذين عملوا على الجمع والدّراسة والتّحليل في هذا المجال من الثقافة الشعبية، مما أدى إلى تشكيل حقل معرفي حول هذا الفضاء الثقافي والتاريخي، في هذا المجال يمكن ذكر الباحثين، خاصة في ميدان الشعر الشعبي : محمد  قاضي، محمد بخوشة، أحمد طاهر عبد القادر عزة، محمد بن شنب ، محمد بالحلفاوي ، مولود معمري،… وزيادة عن ذلك، يشارك هذا البحث في تشكيل شبكة وطنية ومغاربية ومتوسطية من أجل توسيع الآفاق ومقارنة الخبرات وتسخير الموارد المادية والوثائقية.

يبتدئ العدد واحد من مجلّة "تراث" تجربته في نشر الأعمال البحثيّة على شكل مقالات مخصّصة أساسا للتّراث غير المادّي، مع تشجيع العمل في مجال المخيال المرتبط بالسّيرورات الاجتماعيّة. يتضمّن هذا العدد مقالات متنوّعة حيث يخصّص ملفا للشعر والأغنية والرّقصات الشعبيّة بدءا بالجانب التاريخي الحاضر في الورقة البحثيّة حول الأتراك في الشعر الشعبي الملحون، أين يشرع أحمد أمين دلاي في إعادة قراءة نصوص الشعراء الشعبيين من أجل إبراز الاقتراضات اللّغويّة المأخوذة من اللغة التركية ومعانيها، تمثلات صورة الانسان التركي، والعلاقة بين الأتراك والسكان المحليين كما هي تظهر في النصوص الجدلية.

أما عمار نابتي، فقد تناول في دراسته التّراث الأمازيغي، وبالخصوص نوعا من الأغاني يطلق عليه اسم "أكتدّو"، وهي أغاني مخصصة للرضع والأطفال الصغار، هذا العمل البحثي يرتكز على نظرية أفعال الكلام ونظريّة التفاعلات لوصف وتحليل المحتوى اللغوي وحالة التواصل التي تحدث أثناء لعب الأم مع طفلها وهي تغنّي وتجعله يقفز.

وتكريمًا لمؤسس كراسات ومجلة "تراث"، اعتبرنا أنه من الضروري إعادة نشر مقال الأستاذ الراحل حاج ملياني بعنوان "عناصر التاريخ الاجتماعي للأغنية الشعبية
في الجزائر. نصوص وسياقات". هذه الأغاني التي تعتبر، حسب المؤلّف، بوتقة لبصمات الهوية على المستوى اللغوي والمحلي والعالمي والتاريخي، إلى جانب ذلك، هي موضوع عمل يسلط الضوء على بعض أشكال وسياقات هذا النّوع من التعابير المتميّزة بالتنوّع والهشاشة في معظم صياغاتها.

من جهته، يتناول بركة بوشيبة في الملفّ نفسه دراسة حول الرّقصات الشّعبيّة، يقف فيها على خصوصيّات هذا الموروث الثّقافي وتنوعه ودوره في تحقيق التنمية المستدامة، من خلال عرض ودراسة وتحليل الأثر الاجتماعي والاقتصادي والثّقافي لهذا النوع من التراث، يبين المؤلّف الوسائل الكفيلة بالمحافظة عليه من الزّوال والتّشويه.

وفي مجال آخر، يعالج صالح فالحي، التراث الخاص باللّباس المغاربي، وذلك من خلال دراسة حول الشاشية التونسية، غطاء رجالي للرأس يعتبر رمز وهوية جديرة بالتصنيف ضمن التراث العالمي. لقد مثلت الشاشية جزءا أساسيا من اللباس التقليدي التونسي، زيادة عن كونها كانت تدل على مكانة وشخص لابسها، وقد تختلف أيضا حسب الجهات الجغرافية. كما يركز المؤلف في موضوع الشاشية التونسية
على مختلف مراحل صنعها والاقتباس أو التقليد ومدى احترام أصول صنعتها وضمان جودة منتوجها وصداها داخليا وخارجيا.

في الأخير، يعرض عبد القادر دحدوح ورقة بحثيّة حول قانون حفظ التراث اللاّمادي وكيفيّة حماية الذّاكرة التّاريخيّة للشّعوب بالطرق والوسائل القانونيّة، استنادا للمادّة 67 من القانزن الجزائري، والتي تعرّف الممتلكات الثّقافيّة غير الماديّة بأنّها مجموعة معارف، أو تصوّرات اجتماعيّة، أو معرفة، أو مهارة، أو كفاءات،
أو تقنيّات قائمة على التّقليد في مختلف ميادين التّراث الثّقافي، وتمثّل الدّلالات الحقيقيّة للارتباط بالهويّة الثّقافيّة، ويحوزها شخص أو مجموعة أشخاص.

كما شمل هذا العدد من مجلّة "تراث"، مجموعة من الإثراءات تتمثّل في بيانات ببليوغرافية تتعلّق بالأغنية الشّعبيّة، عرض للأعداد التسعة من "دفاتر تراث"،
إلى جانب تقديم كتاب "الموت وصناعة الرمزي : طقوس ومخيال اجتماعي" للمؤلّفة مباركة بلحسن.



Adresse

C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO, Bir El Djir, 31000, Oran Algérie

Téléphone

+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11

Fax

+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Support

Contact